غياب كافة رموز القوى السياسية عن ميدان التحرير من ليلة الأحد الماضى وما بعدها، وهجوم أغلب المتظاهرين على مرشحى الرئاسة كالدكتور سليم العوا والشيخ صلاح أبو اسماعيل، وإضطرار دكتور البرادعى إلى عدم الذهاب للميدان وهو فى طريقه إليه إشارة قوية على أن الثوار من الشباب والناس فى الشارع كفروا بكافة النخب السياسية بعدما أدركوا أن كل فصيل سياسى لا يهمه البلد فى المقام الأول، ولكن الجميع يبحثون عن مصلحتهم الشخصية أو الحزبية فى "كعكة الوطن" حتى لو كان الثمن إسقاط الدولة، فعلى مدى الشهور العشرة الأخيرة لم يتخذ أيا من القوى السياسية موقفا واضح من تباطئ المجلس العسكرى فى الإلتزام بجدول زمنى محدد لتسليم السلطة للمدنيين أو حتى وضع حدا لمسلسل الإنفلات الأمنى والبلطجة بطول وعرض الوطن فى اختفاء شبه تام لعناصر الداخلية، ولم يطرح أى تيار رؤية محددة للخروج بمصر من هذه المرحلة الرمادية رغم تدهور الأوضاع فى أغلب المجالات بل الكل يناور ويتحايل للحصول على ميزة خاصة بحزبه أو جماعته، ويفعل من أجل ذلك الأفاعيل، فيقترب من المجلس العسكرى عندما يلمح مصلحته والعكس تماما لو تعارضت الخطوات مع توجهات هذا التيار أو ذاك. فالإخوان تخلوا عن المسار الطبيعى للمرحلة الإنتقالية بحيث تكون البداية باختيار لجنة تأسيسة لإعداد الدستور ثم انتخابات برلمانية ثم انتخابات رئاسية لمجرد مغازلة المجلس العسكرى لهم باختيار عضوين بلجنة التعديلات الدستورية أحدهما من الجماعة وهو صبحى صالح الذى أثبتت الأيام التالية أنه لا يصلح لوضع لائحة عمل فى مشروع للمستثمر الصغير فهو متعصب ومندفع ومتعالى والثانى من ذوى الهوى الإخوانى حتى وإن كان قيمة قانونية كبيرة وهو المستشار طارق البشرى ، وسارت الأمور سمن على عسل بين الأخوان والعسكر رغم أن الإعلان الدستورى جاء فى شكل دستور جديد من 64 مادة، وتحذيرات الكثيرين من أن ذلك غير دستورى لأن الجماعة وجدت فى الإسراع بالإنتخابات البرلمانية فرصة ذهبية للحصول على الأغلبية فى ظل الأحزاب الشبابية الوليدة أو الأحزاب القديمة البعيدة عن الشارع، ولم ينتهى شهر العسل بين الإخوان والعسكر إلا مع الكلام عن وثيقة المبادئ الأساسية للدستور لأن الجماعة لا تريد دولة مدنية يحكمها القانون ويتساوى فيها جميع المواطنين بل تريد حكم المرشد ويحلمون بعودة الخلافة، أما السلفيين تصدروا المشهد بعد سقوط النظام فى حين أنهم لزموا الصمت قبل 11 فبراير، وأعلنوا تأييد المجلس العسكرى على طول الخط لمجرد الرجوع لبعض شيوخهم لحل بعض مشكلات الفتنة الطائفية، وانقلبوا أيضا ضده مع ظهور وثيقة المبادئ الدستورية لأنهم عازمون على تحويل مصر لدولة دينية يحكمها رجال الدين. أما الأحزاب القديمة فلم تتوانى عن أسلوبها التقليدى، وحاولت مد الجسور مع العسكريين أملا فى منصب بالتشكيل الوزارى أو مقاعد فى البرلمان بل ورشحت الفلول على قوائمها فى الوقت الذى خذلت فيه الشباب والمرأة أما الأحزاب الجديدة فمعظمها يسيطر عليها فلول الحزب الوطنى السابق التى تحاول بكل الطرق إعادة إنتاج نظام ما قبل 25 يناير بنسخة جديدة. وشباب الثورة تيقنوا منذ السبت الماضى من أنهم أخطأوا فى الشهور التالية لتنحى مبارك بالترجع للخلف وترك الساحة خالية للنخبة السياسية من كل الاتجاهات بل تحول ميدان التحرير نفسه إلى منصات لهذه القوى، وتوظيف كل تيار منصته للدعاية لمصلحته بغض النظر عن الصالح العام، وحتى مرشحى الرئاسة كانوا ينزلون للميدان بحثا عن الدعاية لحملاتهم الإنتخابية ومن هنا أكد الشباب من مختلف التيارات على ضرورة رمى طوبة القوى السياسية والكفر بها، والأتفاق على مطالب واضحة حتى تنجح الثورة بعيدة عن كماشة المصالح الشخصية للقوى السياسية.