كشفت مصادر بجهاز التمثيل التجارى التابع لوزارة الصناعة والتجارة الخارجية عن إعداد ملف كامل للعلاقات الاقتصادية المصرية الجزائرية، استعداداً لزيارة مرتقبة للرئيس مرسى إلى العاصمة الجزائرية خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وتزامن ذلك مع إعلان مجلس الأعمال المصرى الجزائرى حالة التأهب القصوى لمرافقة الرئيس إلى الجزائر، على أمل أن تزيل تلك الزيارة الآثار السلبية التى خلفتها أزمة كرة القدم الشهيرة فى أم درمان بالسودان فى الربع الأخير من عام 2009. الزيارة التى أعدت لها حكومة «الإخوان» بشكل «ممنهج» منذ فترة، ستتصدرها قائمة من رجال أعمال عهد «مبارك» برفقة مستثمرى «الجماعة»، وتأتى الزيارة فى وقت أكدت فيه مصادر «الوطن» أن الجانب الجزائرى اشترط، بشكل غير معلن، أن يعتذر الرئيس محمد مرسى للشعب الجزائرى رسمياً عن الإهانات التى وجهها الإعلام الرياضى المصرى للجزائريين عام 2009، بعد خروج المنتخب المصرى من تصفيات كأس العالم، وذلك كشرط رئيسى قبل أن يستأنف الجانبان التعاون الاقتصادى بشكل كامل. وقال المهندس نهاد رجب رئيس مجلس الأعمال المصرى الجزائرى، إن أزمة معركة أم درمان الكروية دفعت الحكومة المصرية وقتها إلى تجميد دورها من مفاوضات اقتربت من مرحلة التنفيذ، فى إقامة منطقة صناعية مصرية داخل الأراضى الجزائرية للتصدير، إلى أن هبت رياح الربيع العربى وعصفت بالمشروع نهائياً وألقت به إلى أدراج وزارتى الصناعة والاستثمار دون جدوى. وأشار رئيس المجلس إلى عدد من المشكلات الاستثمارية الكبيرة التى تواجه المستثمر المصرى داخل الأراضى الجزائرية، خاصة القرارات التى طالت بعض الاستثمارات المصرية، التى وُصفت بأنها تراجع عن اتفاقات حماية الاستثمارات وتمتعها بإعفاءات ضريبية فى سنوات محددة من بدء النشاط المتفق عليها مسبقا والتى تأثرت بها مجموعة شركات أوراسكوم، موضحاً أن أوراسكوم تليكوم شركة عالمية وليست مصرية فقط، واعتبر أن قرارات السلطات الجزائرية الأخيرة بمثابة رد «فعل عاطفى»، ليس هذا فحسب بل تسببت القرارات فى أزمات كبيرة لعدد من المشروعات المصرية التى كانت على أجندة المستثمر المصرى هناك. وتطرق رجب إلى قرار شركة «بولى سيرف» التى تراجعت عن ضخ استثمارات ب300 مليون دولار فى السوق الجزائرية، بسبب صعوبات تتعلق بحصولها على موافقات من جانب السلطات، مع الإعلان عن تعديلات جديدة فى قانون الاستثمار، إضافة إلى اشتراط الحكومة الجزائرية الدخول شريكا بنسبة 49% فى أى مشروع كثيف الاستهلاك للطاقة. وفجر رجب مفاجأة من العيار الثقيل لموافقة الجزائر على استضافة الرئيس مرسى، إذ اشترط الجانب الجزائرى تقديم الرئيس مرسى اعتذارا رسميا للشعب الجزائرى عما بدر من الإعلام الرياضى أثناء الأزمة مقابل استئناف العلاقات المصرية بشكل رسمى، لافتاً إلى أن الأزمة لم تقف عند هذا الحد ولكن تعقدت الأمور بشكل كبير، خاصة بعد موقف الإدارة المصرية السياسية من الثورة السورية والضغوط المصرية على جامعة الدول العربية لتسليم مقعد سوريا إلى المعارضة المسلحة مما أشعل الخلاف مجدداً. وأشار إلى أن المجلس دوره اقتصادى استثمارى ولا علاقة له بالسياسة، وأنه يسعى إلى تدعيم الجانب الجزائرى لاستعادة هذه السوق الاستراتيجية التى ستساهم بقوة فى نفاذ السلع المصرية إلى أوروبا. وقال المهندس على موسى، عضو المجلس، إن ملف المنطقة الصناعية المصرية فى الجزائر تم تجميده منذ أزمة موقعة أم درمان الشهيرة، لذلك -والكلام لموسى- يضع المجلس على أجندة الزيارة المتوقعة للرئيس استئناف المفاوضات لإقامتها على مساحة 2 مليون متر مربع، ومناقشة أسباب عدم تفعيل اتفاقية «التيسير العربية» التى وقعت عليها الجزائر بالحروف الأولى فقط، مما سيصعب على القطاع الخاص الاستفادة من مزايا تصدير إنتاجه من هذه المنطقة دون دفع رسوم جمركية. أضاف موسى أن القطاع الخاص كان سيتولى إنشاء هذه المنطقة، وليس جهات حكومية، حيث كان هو الأقدر على إدارتها وتشغيلها، من خلال شراكة بين مستثمرين مصريين وجزائريين، لأن المنطقة الصناعية تستهدف إقامة صناعات مصرية جزائرية كبيرة تقوم بتصدير إنتاجها إلى الخارج، الأمر الذى يوفر العديد من فرص العمل الجديدة للمصريين والجزائريين فى صناعات ثقيلة مثل الصلب والأسمدة والأسمنت، كما أنها مهمة للصناعات المتوسطة والصغيرة. وتطرق موسى إلى معاناة مجموعة «عز الدخيلة» قبيل إنشاء المجمع الذى أقامته بالجزائر، والذى تعرض أيضاًً لضغوط كثيرة لكنه صمد ولم يتخارج كمجموعة القلعة، أو «أوراسكوم»، التى استغلت ورقة التحكيم الدولى، لافتا إلى أن سميح ساويرس الذى خاض مؤخراً معركة كبيرة بشأن التصالح فى مصر واستقبلته الرئاسة وعائلته بشكل رسمى عقب عودته إلى مصر، من المتوقع أن يخوض حربا ضارية فى الجزائر بسبب قضية «جيزى»، مرجحاً أن يدعمه الرئيس فى زيارته إلى الجزائر إن أمكن وفى أقل الحدود. فى هذا الإطار علمت «الوطن» أن كتيبة استطلاع جزائرية قامت بزيارة القاهرة مطلع مايو الجارى، قوامها 5 من شباب الأعمال الجزائريين، وأعدت تقريرا حول الأوضاع الأمنية فى مصر، وقالت مصادر قريبة الصلة بملف الاستثمار بالجزائر، إن الوفد الجزائرى الذى زار القاهرة مؤخراً التقى بعدد من المستثمرين المصريين العاملين فى قطاعات المقاولات، للدخول فى شراكات غير رسمية لإعمار ليبيا، خاصة بعد موافقة الحكومة الليبية على السماح للشركات المصرية بالمساهمة فى الإعمار، وقالت المصادر إن كتيبة الاستطلاع الجزائرية لا تعنيها الزيارة الرسمية التى يخطط الرئيس المصرى للقيام بها إلى بلادهم بقدر ما تهمهم المكاسب المادية من الدخول فى شراكات مع الشركات المصرية. وقرر مجلس الأعمال المصرى الجزائرى أن يجمع مقترحات لاحتواء هذه الأزمة والذى قرر أن يقدم لمؤسسة الرئاسة قائمة بأسماء وفد كبير من الشخصيات العامة والمستثمرين المصريين بهدف تنقية العلاقات، وعلى رأسهم شخصان يتمتعان بشعبية كبيرة لدى الجزائريين، وهما الفنان الكبير عادل إمام، والرياضى الشهير محمد أبوتريكة، إلى جانب عدد من السفراء المصريين لدى الجزائر، وتم الاتفاق على مخاطبة كافة تنظيمات الأعمال التى لها علاقة مباشرة مع السوق الجزائرية. وتضم القائمة كلا من: الدكتور عبدالرحمن وصفوان ثابت، والمهندس على موسى، والدكتور أحمد هيكل، والدكتور شرين حلمى، والمهندس أحمد السويدى، والمهندس حاتم عزام، والمهندس حسن علام، والدكتور هشام الشريف، كما وجه المجلس الدعوة لعدد من الوزراء خاصة وزراء الاستثمار والصناعة والتجارة الخارجية والتعاون الدولى. تحضير ممنهج فى التاسع من ديسمبر من العام الماضى أقر وزير الصناعة والتجارة الخارجية حاتم صالح فى قرار وزارى يحمل رقم 954 لسنة 2012 تشكيل مجلس الأعمال المصرى الجزائرى المشترك، وذلك ضمن استراتيجية عامة تتبناها الحكومة، لإعادة صياغة العلاقات التى توترت مع بعض الدول قبل الثورة، وفى مقدمتها الدول العربية الشقيقة، إذ تضمن القرار فى مادته الثانية ضرورة قيام المجلس الجديد بإعداد خطة تحرك سنوية تتضمن اختيار 4 قطاعات ذات أولوية، لتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية المصرية الجزائرية المشتركة، على أن يتم إعداد تقرير ربع سنوى بما أنجزه المجلس الجديد، وقبل مرور شهر على هذا القرار عقد المجلس اجتماعا مغلقا بأحد فنادق القاهرة الشهيرة، برئاسة المهندس نهاد رجب، والدكتور أحمد هيكل رئيس مجلس إدارة مجموعة القلعة وعضو المجلس، والمهندس خالد الدجوى ممثلاً لشركة أوراسكوم وعضو المجلس، والدكتور صفوان ثابت رئيس مجلس إدارة جهينة وعضو المجلس، والمهندس محمود مسعود أمين عام المجلس ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بجمعية الأعمال والاستثمار الدولى «إبيا»، والمهندس محمد شيمى رئيس مجلس إدارة شركة بتروجت وعضو المجلس. وتم تشكيل هيئة المكتب والاتفاق على المحاور الرئيسية التى ستحدد أداء المجلس خلال العامين المقبلين من ناحية، وترتيب زيارة الرئيس مرسى إلى الجزائر من ناحية أخرى. وكان الوزير المفوض رئيس مكتب التمثيل التجارى بالسفارة المصرية بالجزائر حمدى درديرى قد أعلن أن حجم التبادل التجارى بين البلدين ارتفع بنهاية العام 2012 إلى ما يقرب من مليار ونصف المليار دولار، بزيادة قدرها 11% مقارنة بعام 2011، وكانت مصر ضيف شرف معرض الجزائر فى العام الماضى، حيث تزامنت هذه المشاركة مع احتفالات الجزائر بمرور 50 عاما على استقلالها، وقد بلغ عدد الشركات المصرية التى شاركت العام الماضى 61 شركة فى مختلف المجالات، وقد حرص الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة حينها على تفقد الجناح المصرى، حيث أبدى إعجابه الكبير بمستوى الصناعة المصرية.