فجأة.. انقلب حال إبراهيم طه إبراهيم (31 سنة).. أو «كريم» كما يحلو لأسرته أن تناديه، بدأ فى الانطواء والجلوس منفرداً لساعات طويلة على غير عادته.. يصر على ارتداء تى شيرت أسود اللون وكأنه ينعى نفسه.. يلتقط صوراً معهم ويخفى وجهه.. لا أحد يعلم السبب.. يتلقى والده الذى يعمل سائقاً لدى أحد السفراء اتصالا يخبره بوقوع خلاف بين شقيقته وأحد أقاربهم.. يتوجه إلى شارع دير النحاس بمصر القديمة.. يُنهى الخلاف.. يلحق به كريم وشقيقه «عمرو»، انتهى الخلاف، وانتهى أجل كريم أيضاً فى مشاجرة وقعت أثناء عودته للمنزل.. .. وهكذا جرت وقائع الجريمة: الزمان: يوم الخميس الماضى الساعة تقترب من الواحدة صباحاً.. المكان: شارع فرعى من شارع دير النحاس بمصر القديمة.. يفاجأ الثلاثة بعدد كبير من المسجلين يحملون أسلحة بيضاء.. «حاسبوا، كل واحد يخلى باله من نفسه.. الحقوا اجروا انتم».. كلمات قالها الأب وهو يتلقى ضربة تلو أخرى دفاعاً عن نجليه.. ينظر خلفه.. ليجد «كريم» غارقاً فى بركة من الدماء.. سيارة تنقل الشاب إلى المستشفى.. الأب يهرول خلفهم يسابق الزمن للحاق بنجله الجريح.. عند باب المستشفى سمع كلمة واحدة «ابنك مات».. . هنا توقف الزمن.. فى منزل الأسرة بدار السلام لا تسمع سوى عويل أم ثكلى.. وحسرات أب يتمنى أن يصحو من الكابوس ويجد نجله بجواره.. وزوجة فى مهب الضياع.. مع صوت الأذان «الله أكبر» تعلو صيحات الأم.. يا رب حق ابنى يا رب.. ولا تلبث أن تعود لسابق حالها. «كريم دا كل حاجة فى حياتى.. أنا معاى عمرو وكريم، بس خلاص بقوا واحد بس.. أنا مش عارفة إيه اللى بيحصل.. ولا إزاى حصل.. اتعودت عليه خلاص.. كان مؤدب ومحترم معايا.. مش بيفوته فرض صلاة.. ويصوم اتنين وخميس من كل أسبوع.. يقوم الصبح يبوس على إيدى وعلى إيد والده ويروح شغله.. ربنا كرمه واشتغل فى مطعم كبير.. مكانش يعولنى همه خالص وكل ما أقوله على أى حاجه كان بيرد: قولى يارب.. كان بيحب لعب الكورة.. يعنى لو خرج يتفسح بتبقى ساعة فى النادى يلعب فيها كورة مع أصحابه كانت أحلى هواية عنده.. كان بيحوش جنيه على جنيه وعمل شقة.. واتجوز. ابنى اتجوز من سنة.. بالضبط فى شهر 4 السنة اللى فاتت.. كان فرحان قوى لأنه كان بيحب مراته قوى وأنا كمان فرحت له عشان هو ابنى البكرى.. ربنا رزقه بولد وسماه أحمد الشيخ، على اسم عمه اللى مات زمان.. وفى الشغل زودوا المرتب بتاعه 65 جنيه عشان ابنه.. تعرف كان متعود يدفع الإيجار كل يوم 10 فى الشهر المرة دى دفع الإيجار يوم 1 فى الشهر.. مش عارفة ليه.. يمكن كان عايز يمشى ومحدش ليه عنده حاجه؟.. قبل الحادثة بكام يوم كان بيقعد هنا مكانى على الكنبة دى.. وإيده متكتفة وراسه فى الأرض ولابس تى شيرت أسود.. وأسأله مالك يابنى معاك مشاكل فى الشغل؟.. يقول مفيش حاجه.. أنا كمان مكنتش مطمنة وحاسة إن فيه حاجه مزعلاه ومش راضى يقول.. يوم الأربعاء كان عندى هنا فى البيت.. أنا حسيت بحاجة غريبة مش عارفة هى إيه.. لقيت نفسى باقول له تعالى يا واد يا كريم أبوسك قبل ما تنزل الشغل.. كانت فيه حاجه بتاخدنى عشان أروح معاه. يوم الخميس كان عندى هنا اتعشى وكلم والده فى دير النحاس وراح له هناك.. أنا صليت ونمت.. فجأة جانى تليفون من والده بيقول لى تعالى على المستشفى بسرعة عشان «كريم اتعور».. رحت بسرعة على المستشفى ولما وصلت المستشفى سألتهم عن ابنى.. محدش راضى يرد عليا.. صعبت على الست الواقفة على باب الأوضة ودخلتنى على ابنى.. لقيته عريس نايم ووشه أبيض زى البدر.. بوسته على خده ومشيت.. أنا دلوقتى أعرف أن ابنى اتقتل.. عايزة حق ابنى.. وربنا أقوى من الكل هيجيب لى حقه ولا تقول لى حكومة ولا حاجة تانى». الأب الذى تورمت عيناه من البكاء لا يكف عن تسلية نفسه بمداعبة حفيده وهو يروى: «إحنا ناس فلاحين وملناش فى المشاكل.. كريم كان أبويا وصاحبى.. كان فرحان بابنه وطاير بيه.. بس ملحقش.. متعودين كل يوم نتجمع وناكل مع بعض كلنا.. أنا مظلمتش حد وربيت عيالى كويس.. يوم الحادثة جانى تليفون إن ابن أختى أيمن متخانق مع مراته وعديله.. مجدى شتم أختى.. لما رحت وفى أول الشارع لقيت ناس كتير قالعين ملط ومعاهم سكاكين وسنج بيحاوطونى أنا وأولادى.. منهم واحد اسمه حسنى شرف الدين، وشهرته (رامى العقباوى) من منطقة اسمها عزبة أبوقرن.. أنا بقيت أحاول أمسك أى سكينة أو سنجة عشان أعرف أحمى أولادى من اللى بيهاجمونا.. فجأة لقيت ابنى كريم وقع على الأرض وبينزف من رجله الشمال وأخوه عمرو شايله.. قعدت أدور على عربية تاخد ابنى على مستشفى.. الناس ركبوا معاه وأنا بقيت أجرى وراهم على المستشفى.. قبل باب المستشفى لقيت واحد بيقول لى خلاص.. ابنك مات». ويضيف الأب: دخلت عليه المستشفى ولقيته بيبص لى ويضحك «وهو ميت».. أنا مش هارتاح غير لما الناس دى تتعدم يا إما يرجعوا لى ابنى تانى.. أم الولد اللى اسمه رامى باعتالى تهديد هى وخاله أنه لو حاجة حصلت لابنهم هيولعوا فى بيتى وأنا باطلب الحماية منهم.. أنا مش بتاع تار ولا الكلام دا.. أنا مش باعرف أدبح فرخة.. أنا عايز حقى ربنا بيكرمنى بناس بتوقف معايا زى طارق الوتيدى رئيس المباحث ووكيل النيابة اللى بيحقق فى القضية.. بس خلاص الدنيا اسودت فى وشى.