من أهم المفاهيم الحديثة فى الدولة القانونية هى تلك المتعلقة باستقلال السلطة القضائية عن كلتا السلطتين التنفيذية والتشريعية، وذهب الكثير من الدساتير إلى إلزام السلطة التشريعية أن تستنير برأى الهيئات القضائية فيما يخص التشريعات والقوانين إلى تختص بشئونها، وفى هذا السياق ذهب الدستور المصرى نفس المذهب لتأكيد استقلال القضاء، فنصت المادة 94 على أن سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة وتخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات، وأعاد الدستور التأكيد على هذه المبادئ فى المادة 184 فى الفصل الثالث المعنون السلطة القضائية، فينص على أن السلطة القضائية مستقلة، كما نصت المادة 185 على تقوم كل جهة أو هيئة قضائية على شئونها وتنتهى المادة بالنص على أن يؤخذ رأى الهيئات القضائية فى مشروعات القوانين المنظمة لشئونها، كما نص الدستور على أن القضاء يدير شئونه مجلس أعلى ينظم القانون تشكيله واختصاصه، من جميع كل ما سبق يتأكد لدينا أن الدستور حرص على أن يكفل للقضاء استقلاله وحقه فى أن يؤخذ رأيه فى كل ما ينظم شئونه وأى قانون لا يعمل على تعزيز واحترام الاستقلال والحياد وعدم التدخل فى شئونه هو انتهاك جسيم للدستور ولمبادئ العدالة. ورغم هذه النصوص الدستورية إلا أن مجلس النواب ناقش مشروع قانون قُدم من الهيئة البرلمانية لحزب المؤتمر، أحد أحزاب تحالف دعم مصر فى المجلس الذى يتمتع بأغلبية كبيرة، بشأن تعديل قوانين السلطة القضائية وقانون هيئة الرقابة الإدارية وقانون هيئة قضايا الدولة وقانون مجلس الدولة، وهو القانون الخاص بكيفية تعيين رؤساء الهيئات، حيث نص المشروع على أن يعين رئيس هيئة النيابة الإدارية بقرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة نوابه يرشحهم المجلس الأعلى للهيئة، ويعين رئيس هيئة قضايا الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة من نوابه يرشحهم مجلس القضاء الأعلى، ويعين رئيس محكمة النقض بقرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة من نوابه يرشحهم مجلس القضاء الأعلى، ويعين رئيس مجلس الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة من نوابه ترشحهم الجمعية العمومية الخاصة بمجلس الدولة. القاعدة التى كان معمولاً بها فى مصر هى قاعدة الأقدمية، وهى من التقاليد الراسخة فى الهيئات القضائية وهى أن أقدم النواب سناً يتم تعيينه رئيساً حتى لو كان المتبقى له على سن المعاش شهوراً، ويصدر القرار من رئيس الجمهورية بالتعيين لصاحب الأقدمية، حيث يقدم لسيادته من أعلى سلطة داخل الهيئة القضائية، فتغير هذا المبدأ المهم يعنى إعطاء رئيس الجمهورية سلطة اختيار وتعيين رئيس الهيئة القضائية من بين ثلاثة يتم اختيارهم، وهو ما يعد تدخلاً مباشراً من السلطة التنفيذية وهو رئيس الجمهورية، الأمر الذى يتنافى تماماً مع استقلال القضاء وبالمخالفة للنصوص الدستورية المشار إليها فى صدر المقال، الذى يثير شبهة التدخل غير المباشر فى العدالة. الحقيقة أن المطلوب من مجلس النواب هو رفض هذا القانون، والنظر فى قانون السلطة القضائية بما يعطى مزيداً من الضمانات للقضاء، كما يجب أن يؤخذ رأى الهيئات القضائية فى مشروع قانون يخصهم أو يخص شئونهم قبل مناقشته فى البرلمان، حتى يعرض مشفوعاً برأى تلك الجهات، إعمالاً لصريح النص الدستورى، وتأكيداً لمبادئ دولة سيادة القانون، لا سيما أن هناك شعوراً بأن هناك مشاريع قوانين فى مجلس النواب تستهدف العدالة وحقوق المتهم فى محاكمة عادلة ومنصفة، فيجب أن نتمهل وأن تكون الكلمة الأولى والأخيرة فى هذا لمجلس القضاء الأعلى ووفقاً لمبادئ الدستور المصرى وبهدف حماية استقلال القضاء.