حينما تعلم أن بعض أطباء قصر العينى يستولون على الأجهزة والمعدات التى يتبرع بها المصريون للمستشفى، وينقلونها لعياداتهم الخاصة بلا خجل أو حياء ودون اعتبار ذلك سرقة يعاقب عليها القانون والضمير. وحينما تعلم أن بعض المرضى فى المستشفيات الحكومية يستولون على ملايات الأسرة والبطاطين والأغطية عند مغادرتهم للمستشفيات دون تفكير فيمن سيأتى بعدهم لاحتلال المكان طلباً للعلاج. وحينما تعلم أن مخصصات الرئاسة فى الإنفاق تضاعفت فى عهد مرسى عما كانت عليه فى عهد سلفه مبارك مع تصاعد حجم الدين الخارجى، بينما الرئيس المؤمن الذى يصلى الفجر لا يمل من الحديث عن حدود الله. وحينما تسمع مبررات استقالة جاد الله المستشار القانونى لذلك الرئيس وهو يتحدث عن سيطرة مكتب الإرشاد على مرسى وأنه ظل بموقعه كل هذا الوقت ومع كل هذا التأييد لقرارات الرئيس درءاً للمفاسد. وحينما تسمع عصام العريان وهو يهدد جاد الله المستشار المستقيل بفتح ملفات فضائحه لو لم يصمت، ويطالب مجلس الشورى بسرعة السيطرة على السلطة القضائية عبر الانتهاء من إصدار القانون. وحينما تسمع أن وزير السياحة قرر مد تراخيص الملاهى الليلية والخمارات ثلاث سنوات بدلاً من سنتين لتشجيع السياحة الليلية. وحينما تسمع الشيخ القرضاوى يقول إنه لم يشارك فى مؤتمر حوار الأديان بقطر لمشاركة يهود به رغم أن قطر كلها مستعمرة يهودية. وحينما تسمع مستشار وزير النقل ومنسق مشروع محور تنمية إقليم قناة السويس، وهو يتعجب من أخبار استقالة عصام شرف ومن معه من المشروع بدعوى أنهم مستشارون وليسوا معينين، وأن أحداً لم يتقدم باستقالته رغم تأكيد المجموعة للخبر. وحينما تسمع عاصم عبدالماجد المتهم بقتل مصريين لا ذنب لهم فى الثمانينات وهو يتحدث عن محاصرة بيوت القضاة لتطهير القضاء. وحينما تعرف أن المهندس هانى عازر أهم مهندس أنفاق فى أوروبا جاء للقاء رئيس الوزراء ووزير النقل وعاد كما جاء لأنه لم يكن لدينا ما نعرضه عليه سوى حاجتنا لالتقاط صور معه فى المؤتمر الصحفى الذى عقده رئيس الوزراء معه. وحينما تسمع من ضباط جيشنا فى سيناء أنه لم يكن هناك أى تفاصيل لما أطلق عليه الجيش «العملية نسر» بعد قتل ستة عشر مجنداً من جنودنا فى أغسطس الماضى وأن سيناء غائبة عنا وعلمها عند الرئاسة والجيش فقط. وحينما تعلم أن هناك مخططاً لنقل كل ما يريد الإخوان السيطرة عليه لتبعية رئاسة الجمهورية ليكون قريباً من العين والقلب، مثل مشروع إقليم قناة السويس، وتبعية جهاز الأمن الوطنى -أمن الدولة سابقاً- حينما تسمع كل هذا وأكثر تأكد من شىء واحد هو حاجتنا الملحة لتطهير فساد الأنفس. وأن الفساد لم يكن قاصراً على مبارك وصحبه بل كان قانوناً ممنهجاً فى مصر من رأسها وحتى أخمص قدميها، من مسئوليها لمواطنيها. وأننا لن ننجح فى إقامة مصر التى نحلم بها دون إصلاح مؤسسى تعلو فيه قيمة سيادة القانون، فيُطبق على الجميع دون تمييز بين مواطن وآخر، ودون استصغار لخطأ أو جريمة. وأن نظام الثواب والعقاب هو المنهج الإلهى فى التعامل مع الخليقة منذ أن رفض إبليس السجود لآدم، ومنذ عصيان آدم لربه بالأكل من الشجرة المحرمة. فالله أدرى بخلقه ويعلم أنهم لن يكفوا عن الفساد إلا بعقاب رادع وسريع وفورى. وهو ما طبقته دول العالم التى بنت نفسها مؤخراً. ففى أوروبا والدول المتقدمة البشر ليسوا ملائكة، ولكنهم يعلمون أنهم مراقبون بالقانون وأنهم ملتزمون بسداد أثمان أخطائهم ولو كانوا أبناء «ابن بارم ديله». ولذا كله ثوروا على الفساد أياً كان نوعه ومصدره. ثوروا على فساد الضمائر وعلموا أولادكم أن صلاح الدنيا والدين يبدأ بإصلاح الروح.