ارتدى جلباباً ورابطة رأس نظيفين، تشيران إلى أنه لم يعمل منذ فترة طويلة. على دكة أمام منزله جلس يرتشف من كوب شاى ببطء، ويتحسر على حاله: «فين أيام المراتب القطن.. خلاص راحت علينا.. بتوع المراتب السفنج وقفوا حالنا». حين تنظر إليه ربما تدارى دهشة ممزوجة بالخجل.. كيف لهذا الرجل أن يقوم بهذا العمل الشاق وهو قعيد بلا ساقين؟.. هو صبرى فهمى يعمل «منجد»، أصيب وهو صغير بشلل أطفال، وبعد فترة أصابه تسوس فى العظام أدى إلى بتر ساقيه بالكامل. يضحك صبرى عندما يلمح دهشة من يشاهده وهو يعمل: «المرتبة تقيلة علىّ صحيح بس بيساعدنى واحد عشان أقلبها، لكن المشكلة أن القطن سوقه واقف خالص، وكمان جالى حساسية فى الصدر، فبشتغل فى الستاير واللحفة». لا يكتفى صبرى بحياكة الستائر وتنجيد «اللحاف» فهو يبحث عن قوت أولاده الثلاثة وزوجته فى بيع مناديل ورقية: «أنا من روض الفرج وبروح أماكن راقية عشان أبيع مناديل لما يكون الحال واقف.. ربنا يصلح الحال مصر ماتستاهلش كل اللى بيحصل ده، وإحنا الغلابة رحنا فى الرجلين خالص». سألناه: هل تذهب للإدلاء بصوتك فى الانتخابات الرئاسية؟.. أجاب: «إيه اللى يمنع! مابسبش أى انتخابات، بالذات بعد الثورة رحت كله، بس عاوزين الحال يمشى والناس تهدا شوية، وعايز من أى رئيس لمصر إنه يعمل حتة فى الشارع للمعاقين عشان يعرفوا يطلعوا الرصيف، ساعات بيبقى عالى قوى، وكمان يسهل مواصلات المعاقين عشان نعرف نتحرك أحسن من كده، بدل العذاب اللى بنشوفه واحنا مستنيين أتوبيس ولا ميكروباص، إحنا كمان مواطنين».