رئيس الجمهورية النمساوية هاينتس فيشر أراه فى التليفزيون النمساوى بمعدل مرتين فى الشهر، لا أكثر. لا يقال هنا إنه رئيس متواضع لأنه يسير فى الشارع على قدميه، ولا لأنه يصافح الناس ويسلم عليهم، أو ينحنى لطفل صغير. نراه فى الصور مع من يتصورون معه -سواء فى مدرسة أو جامعة أو مصنع أو أى مناسبة- دون أن نرى أمامه وخلفه كتيبة من أصحاب النظارات السوداء ولاسلكى الأكمام الشهير، وهو لا يعتبر أن هذا إنجاز! * رئيس الجمهورية هنا لا يعطل حقاً إشارات المرور؛ لأن له سيارة واحدة فقط، ولو معه وفد مرافق سيكون لهم بضع سيارات، وهم ينظمون هنا إشارة المرور على أن تفتح له تلقائياً ليتحرك الوفد، دون تعطيل للناس وليس له، وهو لا يعتبر أن هذا إنجاز! * رئيس الجمهورية هنا لا ينقلون لنا صورته وهو يصلى كل أحد فى الكنيسة، وهو متدين لكنه لا يحشو جمله بكلمات دينية، ولا أحد يطلب منه ذلك، ولا أحد يحاسبه على ذلك أو يعتبره أكثر تقوى أو أقل، وهو لا يعتبر أن هذا إنجاز! * رئيس الجمهورية هنا ليس لديه طائرة خاصة. حين يسافر فى مهام وطنية، يؤجر طائرة من شركة الخطوط الجوية النمساوية، ويدفع لها أجر السفر بالكامل، كشركة مستقلة ليس لها علاقة بالرئيس ومرافقيه، وتتحمل كل وزارة تكاليف كل وفد لها، لأن هذه المبالغ من الضرائب التى دفعها الشعب، وسفر الرئيس ولقاءاته العديدة برؤساء وزعماء العالم شىء عادى، وهو لا يعتبر أن هذا إنجاز! * رئيس الجمهورية هنا قد يجلس فى الصفوف الخلفية حين يتم تكريم المكرمات والمكرمين فى أى مناسبة، ولا يحتل الصفوف الأولى، وحرسه الثانية، وزمرته الثالثة، تاركاً المكرمين جالسين فى الصفوف الأخيرة، تنهشهم حراسة ورقابة لكل حركة وكلمة، ولا يخضعون قبلها للتفتيش الذاتى كأنهم إرهابيون، وهو لا يعتبر أن هذا إنجاز! * رئيس الجمهورية هنا حين يزور مطعماً أو مقهى وسط المدينة، يدخل دون مضايقة أحد، ويسلم على الناس بود، والكل منشغل فى حياته داخل المقهى على طبيعته، وفى النهاية ستأتى «الجرسونة» وتحاسبه مثلما تحاسب أى شخص فى المقهى، وستراه يخرج محفظته ويدفع، وهذا شىء عادى جداً، وهو لا يعتبر أن هذا إنجاز! * رئيس الجمهورية هنا يقوم بأشياء كثيرة لخدمة شعبه؛ لخدمة كل من يحمل جنسية البلاد، دون أن يتشدق على الناس بأنه افتتح مصنعاً أو مدرسة أو مؤسسة أو اشترى صاروخاً، وهذا شىء عادى جداً، وهو لا يعتبر أن هذا إنجاز! * رئيس الجمهورية هنا يهتم بالفنون والآداب، ويدعو الأصدقاء والمهتمين لحضور قراءات وحفلات موسيقية وحوارات وحديث فى جو ودى بسيط فى قصره الجمهورى، ويمكنك أن تقترب منه وتتحدث معه وتلتقط صوراً تذكارية دون أن يعتقلك الحرس، وسيحادثك الرئيس بكلمة «سيادتك» أو «حضرتك» احتراماً لك، بغضّ النظر عن طبيعة مهنتك التى هى هنا فى الأساس محترمة أياً كانت، وهذا شىء عادى جداً، وهو لا يعتبر أن هذا إنجاز! * الرئيس هاينتس فيشر تم اختياره رئيساً لجمهورية النمسا عام 2004 وأعيد اختياره مرة أخرى عام 2010، لستة أعوام أخرى (الفترة الرئاسية هنا ست سنوات)، وما أعلمه خلال العشر سنوات التى حكم فيها حتى الآن، أن له أربعة كتب من تأليفه هو، وكتابان فقط عنه، وهذا شىء عادى جداً، وهو لا يعتبر أيضاً أن هذا إنجاز! (فيينا، 19 أبريل 2013)