عشرون عاماً تكتمل غداً على استشهاد جمال حمدان. فى مثل هذه الأيام سنة 1993. قرارات النيابة مثل أحكام القضاء لا يجوز التعليق عليها ولا تناولها إعلامياً. لكنى ما زلت مصراً على أن قرار النيابة الذى اتخذ بحفظ التحقيق فى وفاته واعتبارها طبيعية يستلزم إعادة النظر. وكلما حلت ذكراه كتبت. ولكن لا حياة لمن تنادى. فإن كانت قد تركت لنا حرية نسبية فى الكتابة فلمن يحكمون مصر -الآن ومن قبل- حرية مطلقة فى أن يفعلوا ما يشاءون. لدىَّ أسبابى؛ فقد شب حريق فى 17 أبريل 1993، وكان يوافق يوم سبت فى منزل جمال حمدان. وكان عبارة عن حجرة وصالة فى شارع الرافعى المتفرع من شارع الربيع الجيزى. قيل إن الرجل كان يصنع كوب شاى فامتدت النيران لمحتويات الشقة واحترقت ومات هو. وما أعرفه أن جمال حمدان كان يتناول الشاى مرتين فى اليوم.. صباحاً وفى الساعة الخامسة بعد الظهر على طريقة الإنجليز الذين قضى عندهم سنوات من عمره يعد رسالته للدكتوراه فى الجغرافيا السياسية. ومنذ عودته وهو يحافظ على هذا التقليد. عندما كنت أذهب إليه كان يرسل بواب العمارة لكى يحضر لى وله عصير قصب من محل قريب من بيته. ولم يغير هذه العادة. طعامه كان يعده له طباخ. يحضر مرة فى الأسبوع. يأكل منه كل يوم. وكان يتناول الغداء قرب الرابعة بعد الظهر. وفى معظم الأحيان كان يفضل أكله بارداً على عملية التسخين. ويبدو أنها من آثار فترته الإنجليزية. من أدلة اتهامى لمن اغتالوا جمال حمدان أنه حدثنى فى أيامه الأخيرة أكثر من مرة عن ثلاثة كتب يريد أن ينتهى منها بأسرع ما يمكن. كأن الرجل كان يشعر باقتراب أجله. كتاب جديد وكتابان قديمان قرر أن يعيد كتابتهما على ضوء التطورات التى أعقبت صدور طبعاتهما الأولى. الكتاب الجديد كان عنوانه: «سيكولوجية الحشاش». وكان كتاباً عن الرئيس أنور السادات. الذى كان يراقب جمال حمدان هبوط طائرته وصعودها من شرفة شقته فى الدور الأرضى بالعمارة التى كان يسكن فيها. الكتابان القديمان الجديدان كانا: «اليهود أنثروبولوجياً»، و«العالم الإسلامى المعاصر». قال لى جمال حمدان إن التطورات الجديدة التى وقعت للعالم الإسلامى تتطلب منه ليس إعادة كتابه القديم. ولكن كتابة كتاب يطور الكتاب القديم. لدرجة أن يصبح كتاباً جديداً. أما «اليهود أنثروبولوجياً» فقد رأى أنه لا بد من تناول الأساس الأنثروبولوجى الذى يغذى العدوانية الصهيونية التى نراها. كانت إسرائيل تصفه بأنه أعدى أعداء إسرائيل فى مصر. وكان يعتبر أن هذا الوصف أكبر وسام حصل عليه فى حياته كلها. هذه الكتب الثلاث لم نعثر لها على أى أثر بعد استشهاده. ألا يتطلب الأمر فتح تحقيق فى استشهاد جمال حمدان؟!