«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارات مغربية بين المؤلف كيفن دواير والفقير محمد الشرادي، مقاربة نقدية للأنثروبولوجيا
نشر في شموس يوم 29 - 01 - 2012

عنوان الكتاب: حوارات مغربية بين المؤلف كيفن دواير والفقير محمد الشرادي، مقاربة نقدية للأنثروبولوجيا
تأليف: كيفن دواير
ترجمة: محمد نجمي الروداني ومحمد حبيدة
مراجعة: محمد المنصور والمختار النواري
الناشر: دار النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2008،
عدد الصفحات: 475 ص.
على سبيل الاستهلال:
تندرج كتابات الباحث الأنثروبولوجي الأمريكي كيفن دواير Kevin Dwyer ضمن الأفق الأنثروبولوجي الجديد الذي حاول الخروج على تعاليم الأنثربولوجيا الأكاديمية والإسهام في تطوير الأنثربولوجيا نظرية ومنهجا. لقد حاول انطلاقا من تجربته الميدانية بالمغرب إعطاء تصور جديد للأنثروبولوجيا يقطع مع الأنثروبولوجيا الغيرتزية2 التي هيمنت مع بداية السبعينات من القرن الماضي ويقترح طروحات جديدة بصدد علاقة الأنثربولوجي بالمخبر أو علاقة الذات بالآخر بشكل أعم، داعيا إلى فكرة أن النص الأنثروبولوجي هو في المحصلة إنتاج مشترك بين المؤلف والذوات التي يدرسها. هذه الأفكار حاول بلورتها تحت اسم المنظور الحواري أو الحوارية (Perspective dialogique / .(Dialogismeويعترف دواير بتأثره بالكاتب والأنثروبولوجي الأمريكي كارلوس كاستانيدا3 Carlos Castaneda صاحب كتاب The Teaching of Don Juan. وهذا الكتاب يوجد ضمن قائمة الكتب التي ذكرها دواير في البيبليوغرافيا.
كيفن دواير Kevin Dwyer باحث أنثروبولوجي أمريكي، ولد سنة 1942 بالولايات المتحدة الأمريكية. يشتغل منذ ثلاثة عقود حول المجتمعات العربية الإسلامية، وبشكل خاص حول المغرب وتونس ومصر. وقد اشتغل في بداية مساره العلمي أستاذا للأنثربولوجيا في جامعة نيويورك في السبعينات من القرن الماضي، وفي بداية الثمانينات عمل بمنظمة العفو الدولية بمدينة لندن في بريطانيا. وفي بداية التسعينات انتقل إلى تونس ليعمل بمعهد الأبحاث المطبقة. ومنذ سنة 2001 إلى الآن يشتغل أستاذا بالجامعة الأمريكية في القاهرة. من أهم أعماله:
- Moroccan Dialogues: Anthropology in question (1982)
حوارات مغربية: مقاربة نقدية للأنثروبولوجيا.
- Arab voices : the Humain Rights Debate in the Middle East (1991)
أصوات العرب: نقاش حول حقوق الإنسان في الشرق الأوسط.
- Beyond Casablance : M.A Tazi and the adventure of Moroccan
cinema (2004) خبايا الدار البيضاء: محمد عبد الرحمان التازي، مغامرات السينما المغربية. أما الكتاب موضوع القراءة فقد صدر في نصه الأصلي سنة 1982 تحت عنوان Moroccan Dialogues وبعنوان فرعي Anthropolgy in question وظهرت ترجمته من الإنجليزية إلى العربية سنة 2008 من إنجاز محمد نجمي الروداني ومحمد حبيدة، وراجعها كل من محمد المنصور والمختار النواري. والكتاب ينقسم إلى بابين حيث يتشكل كل باب من عدة فصول، اشتمل الباب الأول على 11 فصلا ضمت الحوارات الإحدى عشر بينما اشتمل الباب الثاني على فصلين ) الثاني عشر و الثالث عشر( كرسهما لمناقشة الأنثروبولوجيا ومحاولة إعادة بنائها.
ويتصدر هذا المعمار مقدمة الترجمة (من إنجاز عمر أفا، المنسق العام) وتقديم بقلم المؤلف وألحق بملحقات هي الخاتمة والبيبلوغرافيا والفهارس.
الطرح المنهجي:
اعتبرت آن بيل أن كتاب حوارات مغربية، إلى جانب كتاب التهامي: صورة مغربي4 وكتاب تأملات في عمل ميداني في المغرب5، جاء خارج التقليد الغيرتزي، وأن هذه الكتب الثلاثة هي من المحاولات الأولى لإعطاء حساسية ما بعد حداثية (postmodern sensibility) للأدبيات الإثنوغرافية6. ولعل المقابلة بين هذه الأعمال الثلاثة له ما يبرره باعتبار أنها صدرت في فترات متقاربة واختارت المغرب ميدانا لبحثها. ودواير نفسه يبرز أوجه الشبه والاختلاف بين مقاربته ومقاربتي كرابنزانو ورابينو (ص425).
اتبع دواير في هذا الكتاب منهجية الحدث والحديث (ص15، ص126، ص163) تجلت في أخذ أحداث معينة كنقطة الانطلاق ثم تسجيل الحوارات المتعلقة بها. وتحاشى المؤلف إعطاء معان ضمنية لما يقوله الفقير معارضا بذلك ممارسة راسخة في الأنثروبولوجيا الأورثودوكسية تخفي في ثناياها تفوق الذات الغربية ودونية الآخر غير الغربي. لقد سعى دواير جاهدا إلى إظهار الذات والآخر في تفاعل جدلي. ولنقل، حسب تعبير الأنثروبولوجي منذر كيلاني، أن هاجسه تجلى في الحديث إلى الآخر (parler à l'autre) بدل الحديث عن الآخر (parler de l'autre)7.
مدار الحوارات:
تمت الحوارات بين كيفن دواير، أنثروبولوجي نيويوركي في منتصف الثلاثين من عمره، والفقير محمد بن العياشي الشرادي، قروي مغربي في الخامسة والستين من عمره (ص283). الملاحظ إذن أن طرفي هذه الحوارات غير متجانس (سواء على المستوى العمري أو المهني أو الثقافي). جرت معظم الحوارات في صيف 1975 (ص42) وقضى دواير تقريبا كل الوقت مع الفقير محمد وعائلته بقرية أولاد الفيلالي8 وهي إحدى قرى سهل سوس.
لم يصرح دواير بدواعي اختياره بالضبط لهذه المنطقة وللفقير محمد على وجه التحديد دون غيره من فلاحي المنطقة، وربما كان عامل السن من دواعي اختيار الفقير محمد، فسنه المتأخر من العمر يجعله يملك ذاكرة بعيدة المدى.
لقد شملت الحوارات أسئلة حول ماضي الفقير ومواقفه حيال مشاكله اليومية ومواضيع من قبيل ختان الأطفال والزوايا وزواجه الأول والثاني وآرائه حول الأمازيغ واليهود والنصارى وحفرت في ذاكرته للحديث عن مغرب فترة الحماية وما بعدها. ففي الحوار الأول طرح دواير “أسئلة عميقة موضوعية مرتبة ترتيبا زمنيا” (ص127) وركزها حول العمل والزواج والفترة الاستعمارية، وفي الحوار الثاني والثالث (اجتماع مريدي الزاوية التيجانية والختان) حيث “جاءت معظم الأسئلة عفوية وطبيعية مما يبدو أنها أحداث غير معقدة نسبيا” (ص128).
أما الحوار الرابع فقد تركز حول التواصل الفعلي الذي كان بين الفقير والنصارى أثناء فترة الاستعمار وبعدها وكذلك موقفه من العمل في أوروبا، وسلط الحوار الخامس الضوء على الموسم (ألموكار) وعلى الصلحاء، في حين تناول الحوار السادس حدث سرقة الدراجة وآراء الفقير عن العرب والأمازيغ واليهود. الحوار السابع هو توضيح لوجهة نظر الفقير حول النزاع وحول الشراكة (في الأرض وفي الآليات) والصداقة. وكان الحوار الثامن حول زواج بنت الفقير، وتناول الحوار التاسع زيارة الشيخ وتجربة الفقير عندما كان مقدم القرية ليعقبهما حديث عن الحياة السياسية بعد استقلال المغرب، وكرس الحديث العاشر للحديث عن رأي الفقير في افتراق الإخوة وفي مسألة حبه لأولاده وأحفاده، أما الحوار الحادي عشر والأخير فهو بمثابة فلاش باك (flash back) يستعرض فيه دواير اللقاء الأول بينه وبين الفقير و ظنون هذا الأخير حول ما قام به الأنثربولوجي.
الكتاب كوثيقة سياسية لمغرب الحماية وما بعدها: إن سرد الفقير محمد يرسم صورة للمغرب سواء في فترة الحماية أو بعد الاستقلال، وهو غني بالمعطيات والمعلومات عن هاتين الحقبتين من تاريخ المغرب المعاصر.
قائد المنطقة:
لقد كان القائد بوشعيب الشخصية المهيمنة في المنطقة خلال فترة الحماية إذ حكم بمفرده لمدة ثلاثين سنة وبقي في منصبه إلى آخر أيام الاستعمار في سنة 1955. لقد كان هذا القائد نزيها في بداية حكمه إلا أنه بدأ يتهافت على قبض المال قبيل نهاية حكمه عندما “اقتسم” السلطة مع ضابط فرنسي. لقد كان دائما هناك عمل غير مأجور ينجز من أجل هذا القائد “فكلما وجدوك وحيثما التقوا بك في الطريق فإن الشيخ يقول لك “اذهب واحضر الحطب إلى منزل القائد” أو “اذهب واحضر بعض الكلأ إلى منزل القائد” (ص69 – 71).
العلاقة بالنصارى )الفرنسيين تحديدا( قبل الاستقلال وبعده:
تمركز الحديث في الحوار الرابع حول النصارى وتحديدا الفرنسيين. لقد استعمل هؤلاء في استعمارهم للبلاد عرب الشمال كوسطاء، كقواد وشيوخ، وكان ولاء المقدمين للشيوخ وولاء الشيوخ للقواد وولاء القواد للفرنسيين. كان كل منهم يساعد الآخر. ويشير الفقير إلى أن الحكام المسلمين يقضون أغراضهم الشخصية ويدعون أنها باسم الفرنسيين. لم يكن عدد الفرنسيين المتواجدين بالمنطقة كبيرا بخلاف مدينة الدار البيضاء التي كان حضورهم بها بكثرة.
وبعد انتفاضة 1953، جند الفقير إجباريا وأخذ إلى الدار البيضاء في حملة لإقرار الأمن. لقد أخذ من منطقة القائد بوشعيب حوالي 400 شخصا وأحضر مائتي (200) شخص فيما بعد. ويشير الفقير أن أغلب الذين لبوا دعوة القائد كانوا من الذين لم يكن لديهم من يدافع عنهم. وحرص القائد على أن يكون من بين المجندين من يعرفهم جيدا لأنه أراد أن يكون إلى جانبه أناس يدينون له بالولاء (ص135). لقد تم تزويد هؤلاء المجندين الذين بلغ عددهم الستمائة بالبنادق والسكاكين والهراوات والحرب والمسدسات وكل شيء (ص300) وتعرضوا للمضايقة والسب من قبل البيضاويين بل تم وصفهم بالخيانة غير أنهم لم يعملوا على الإساءة إلى أي أحد. وبعد نهاية ثلاثة أشهر، أرجع هؤلاء المجندون أسلحتهم وعادوا إلى منازلهم. فقد ازدادت وثيرة الاضطرابات وازداد عدد القتلى، ولقد تقاضى كل واحد ألف فرنك في اليوم (ص140).
بعد الاستقلال، لم يعد للحكام النصارى أثر. أما أصحاب الضيعات فقد التزموا الهدوء وتابعوا أشغالهم وتغير سلوكهم نحو العمال تجاه الأفضل. (ص 140).
سياسة الاستقلال:
بعد التفاوض على الاستقلال، جرت الانتخابات. كان الانتخاب الأول من أجل المجلس الجماعي. وبعد ذلك كان هناك انتخاب من أجل البرلمان، انتخاب1963. ولم تشارك الأحزاب في الانتخاب الأول نظرا لعدم وجودها. لقد تزامن انتخاب1963 مع ظهور الأحزاب التي أصبحت المؤطرة للبادية. وكان لحزب الاتحاد الوطني ظهور قوي في منطقة سوس في هذه الانتخابات. والملاحظ أن ردود الفقير حول هذا الموضوع طالها كثير من الحذف. (ص300)
من الميدان إلى النص أو لمن الصوت ولمن النص ؟
تحولت تجربة الحوارات التي أجراها دواير مع الفقير إلى نص مكتوب وهنا تطرح مسألة علاقة الشفوي بالمكتوب. لقد كان دواير واعيا بالسلطة التي تمارسها الكتابة. فرغم محاولته بأن تحافظ الحوارات على فوريتها فقد سقطت معطيات كثيرة عند نقل الأحاديث إلى حوارات مكتوبة كاختفاء الإشارات والنبرات الصوتية والمزاج ومعنى الدارجة المغربية عند ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية (ص17).
علاوة على هذا، حرص الفقير ألا يظهر في الكتاب الكلام المتعلق بالمخزن (ص19) ونزولا عند هذه الرغبة في تحاشي ذكر المخزن في النص النهائي، أشار المؤلف إلى ما قام بحذفه بنقط داخل قوسين (...) (انظر مثلا ص300، وص302، وص303).
فرغم أن صوت الفقير حاضر في مختلف فقرات النص تماما مثل صوت الأنثروبولوجي فقد تدخل هذا الأخير لصياغة أجوبة الفقير. ويرى ديل إيكلمان Dale Eickelman أن تدخل الأنثروبولوجي له ما يبرره وإلا فإن “قلة الاهتمام بالشكل القصصي في سرد الأحداث قد يؤدي إلى توخي موضوعية مبالغ فيها في التجربة الاجتماعية”9. هذا التأثير الواضح للكتابة يعبر عنه فانسان كرابنزانو V.Crapanzano صاحب كتاب التهامي: صورة مغربي “مهما حاولت التزام الدقة في تقديم نص التهامي، فإنه يظل بشكل من الأشكال نصي. لقد تبنيته... كراو في نفس اللحظة التي حرمت فيها صاحبه من هذا الامتياز. لقد حظيت بامتياز إعادة الرواية. أتمنى، مع ذلك، أن يكتشف القارئ التهامي ويجد فيه شيئا من ذاته”10. وهنا نتساءل: لو قدر للفقير قراءة حوارات مغربية هل كان سيتعرف فيه على ذاته؟
ملاحظات نقدية:
بعد هذا العرض الموجز لأبرز ما تضمنه العمل، يمكن تسجيل بعض الملاحظات النقدية : - الملاحظ أن دواير لم يرفق متنه بأي وثيقة مكتوبة، هل لكون انتشار الأمية بين مجتمع الفقير حرمه من توثيق الأحداث أم أن دواير يعلي من قيمة الشفهي مقابل سلطة المكتوب؟ فلا نجد في حديث الفقير إشارات ولا إحالات على الوثائق. فهو لم يعتمد في “استراتيجية” أجوبته على الأثر المكتوب. فعلى الرغم من أن الفقير لا ينتمي إلى تلك المجتمعات التي لم تعرف الكتابة (sociétés sans écriture) فإن الوثيقة المكتوبة كانت غائبة تماما.
- هناك غياب آخر يمكن تسجيله على مستوى الذاكرة الجينيالوجية. فلا نجد في حواراته حديثا عن أجداده وأصوله.
- أبرزت الحوارات عمق العلاقة بين الفقير والعالم الأنثربولوجي اللذين تواصلا مع بعضهما تواصلا جيدا. يطرح هنا سؤال عن سر هذا البوح. وهذا ما تشهد به نصوص أخرى كنص إيكلمان مع الحاج عبد الرحمن أو نص كرابنزانو مع التهامي وغيرهما. هل نفضل البوح للغريب وللأجنبي لأسباب سيكولوجية ؟
- لم تصدر من الفقير استفسارات حول نفس المواضيع التي تخص دواير. هل لعدم إحاطة المخبر بالعالم الذي ينتمي إليه الأنثروبولوجي أم أن الفقير لم تكن له أدنى مصلحة قي محادثاته مع دواير؟. لنتأمل هذا المقطع )ص354):
الفقير : بالنسبة لي، أعرف أنه لم يكن يهمني أي سؤال من أسئلتك. أعرف أن تلك الأسئلة تخدم مصلحتك لا مصلحتي. إني أفكر في أسئلتك، سواء كانت قصيرة أو طويلة، وأتأمل فيها لأنها تخدم مصلحتك، لا مصلحتي.
كيفن : عم تريد أن أسألك؟
الفقير : لا يهم، يمكنك أن تسألني حتى عن الثعابين
. وترى آن بيل أن هذا الاعتراف الصادر من قبل الفقير والوارد بشكل متأخر في نهاية الكتاب لا يشكل مفاجأة للقارئ. ولكي تفسر هذا، أوردت المقتطف التالي، وهو عبارة عن الأسئلة التي وجهها دواير الى الفقير بصدد زواج ابنته، واعتبرته مثالا نموذجيا للحوارات الواردة في الكتاب11 :
كيفن : وعندما ذهبت إلى منزلهم في اليوم السابع، ماذا حدث إذ ذاك؟ كم كان عدد الذين ذهبوا؟
الفقير : ما يكفي لملء شاحنة “البيكاب”.
كيفن : هل كان ذلك العدد كبيرا أم هو رقم عادي؟
الفقير : عدد عادي بالنسبة ل “بيكاب” واحدة فقط.
كيفن : وماذا حدث عندما وصلتم هناك؟
الفقير : تعشينا وبقينا إلى أن أصبح الصباح، تقريبا، ثم ذهبنا، ذلك كل ما هنالك
كيفن : هل نمتم هناك ؟
الفقير : لا، لم نفعل.
كيفن : متى وصلتم هناك ؟
الفقير : وصلنا عند صلاة المغرب.
كيفن : هل وصلتم في الوقت المناسب، أم كنتم متأخرين ؟
الفقير : إنه وقت مناسب، إن المجيء بعد صلاة المغرب هو الذي ليس مقبولا. ولكن إذا وصلت هناك عند صلاة المغرب، فذلك حسن. )ص271(
بيد أن هذا النقد يبدو مفرطا في القسوة والانتقائية ولا يعكس جوانب ثرية في ثنايا الكتاب. أضف إلى هذا أن دواير ركز في هذا الكتاب على ما هو عادي وألح على أن تكون الحياة اليومية في صلب الحوارات )هامش 6 ص427(.
ما يشبه الخاتمة:
مكنتنا هذه القراءة من استكشاف المقاربة التي يقترحها أحد منظري الحوارية وهو كيفن دواير. ولعله يمكن الدفع بمقاربته بعيدا والتطلع إلى حوارية معكوسة dialogisme à l'envers ، تقلب فيها الأدوار ويحاصر من خلالها المخبر الأنثروبولوجي بالسؤال
! المصدر :موقع انتروبوس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.