من مؤلفات جمال حمدان القليلة والمهمة كتاب بعنوان «اليهود انثربولوجيا» وهو من القطع الصغير ويقع في 94 صفحة والناشر دار الكاتب العربي للطباعة والنشر وقد صدر الكتاب في 16 فبراير 1967 من سلسلة المكتبة الثقافية «جامعة حرة» ويحمل رقم 169 في هذه السلسلة التي كان يشرف عليها وقتذاك د. شكري محمد عياد وقد كانت هذه السلسلة أول مجموعة من نوعها تحقق اشتراكية الثقافة وكانت تيسر لكل قارئ أن يقيم في بيته مكتبة جامعة تحوي جميع ألوان المعرفة بأقلام أساتذة ومتخصصين. والمقصود بالقراءة الجديدة مدي مواءمة ومواكبة ما كتبه الدكتور حمدان منذ ثلاثة وأربعين عاما لواقع الصراع الإسرئيلي الفلسطيني العربي وهل تغيرت طبيعة الإسرائيليين برغم كل المتغيرات والأحداث أم أن التكوين الأنثربولوجي هو أساس ثبوت منهجهم الصهيوني. لقد وجدت فيما كتبه د. جمال حمدان العديد من الأحداث التاريخية التي يسردها عن هجرات اليهود أو شتاتهم من القرن الخامس والعشرين قبل الميلاد تتعدد فيها التواريخ لاحقة وسابقة فحاولت بقدر المستطاع ضبط حركة تاريخ اليهود منذ انطلاقاتهم الأولي من شبه الجزيرة العربية وقبل إبراهيم عليه السلام لتصبح التواريخ مواكبة لكل تحركاتهم وأحداثهم وحتي تتعرف الأجيال الشابة علي هيكل التاريخ اليهودي قديمه وحديثه حتي عام 1967 أما بعد هذا التاريخ وإلي اليوم فالأمر واضح. ومما جاء في الكتاب.. ماذا قال قادتنا العرب الراحلون عن اليهود؟ .. العرب واليهود أبناء عم من الناحية العنصرية.. هذه جملة خطيرة قالها فيصل بن الحسين الهاشمي للقاضي الأمريكي اليهودي فرانكفورتر في عام 1919 هذا الفيصل الذي كان سيصبح ملكا علي العراق فيما بعد.. وأضاف هذا التشابه فيما تحمله العرب واليهود من اضطهادات ومظالم وفيما تمكنوا من القيام به في طريق تحقيق أهدافهم القومية.. هذه المقدمة أدت إلي نتيجة سياسية ونفس المتحدث أكدها في مؤتمر الصلح بباريس في نفس العام حين قال: إن هناك صلات وثيقة من القرابة والدم بين العرب واليهود.. وبعد نصف قرن تعود هذه النغمة بنفس المستوي حين أعلن السعودي فيصل أثناء زيارته لأمريكا أنه لا يكن شيئا ضد اليهود يقصد تمييزا لهم عن الصهيونية لأننا أبناء عمومة في الدم. ثم حسين آخر الهاشمين في الأردن يعلن بعده «إن العرب واليهود عاشوا مراحل طويلة في التاريخ جنبا إلي جنب وفي صداقة وتعاون كأقارب وجيران». وأنا أتساءل بعد قراءتي لهذا الجزء هل ما قاله قادتنا العرب قديما كان يتم بناء علي تعاون وحب كأبناء عمومة لو كان هذا صحيحا لحصدت الأجيال بعدهم هذا الحب وهذا التعاون أم أن ما قالوه كان اعترافا باليهود وأنهم قوة يجب أن يخشاها العرب مع أن هذا كان من 1919 وحتي 1948 أم أن قادتنا السابقين فيما قالوه كانوا يؤكدون بأن اليهود واقع صعب إزالته من أراضينا، اليهود فهموا عنا ذلك فبدأو هم الذين يحتلون أراضينا ونحن لا نملك إلا الصراخ والولولة. ويعلق الراحل د. جمال حمدان علي أقوالهم هذه قائلا: إن فكرة قرابة الدم بين العرب واليهود عميقة ومنتشرة في الخارج بل بين اليهود أنفسهم ورغم هذا كله فإن فكرة قرابة العرب واليهود في الدم قد يمكن أن تلقي بعض الظلال علي قضيتنا المصيرية الأولي في فلسطين وقد يمكن أن تفتح بابا للحلول الخاطئة أو الخائنة سيئة النية أو ساذجة النية، ليس هذا مجرد استدلال أكاديمي أو إسقاط منطقي وإنما هو بالفعل ما نجده في أكثر من دائرة من الدوائر العربية وغير العربية فليس بعيدا مشروع الملك عبدالله الذي اقترحه بنفسه علي بريطانيا حلا لمشكلة فلسطين في الأربعينات من إنشاء «مملكة سامية» يكون هو علي رأسها ويكون لليهود فيها حكمهم الذاتي ثم ترددت فكرة «الاتحاد الفيدرالي السامي» بين بعض اليهود من صهيونيين وغير صهيونيين وضد صهيونيين ولعلنا نكتفي بذكر مشروع «ألفريد ليلينتال» في كتابه الأخير the othen side ofcoin الذي يقترح فيه أن يعود الصهيونيون الإسرائيليون الذين من أصل أوروبي إلي أوروبا ويبقي الإسرائيليون الذين هم من أصل شرقي في فلسطين وذلك مع عودة عرب فلسطين إليها ليعيشوا معهم في دولة واحدة جديدة تدخل مع الوقت في علاقات اقتصادية مع بقية الدول العربية متطلعة إلي اتحاد اقتصادي مع الأردن وغزة ومتجهة في النهاية إلي «اتحاد سامي» كبير ويري د. حمدان.. لسنا هنا بصدد مناقشة هذه المشروعات أو نقدها فكل حل لا يعيد الوضع إلي ما كان عليه قبل 1948 بل قبل 1918 مرفوض بلا نقاش. ونحن نطالب الآن بتطبيق قرار مجلس الأمن 242 بالعودة إلي عام 1967.. ويري د. حمدان أن كل حل لا يزيل إسرائيل من الوجود لا محل له من البحث العلمي تماما كما يقول نجاد رئيس إيران يجب إزالتها لأنها جرثومة. هذه كانت فقرات تناولها د. حمدان في بداية كتابه طرحتها ليقرأها الشباب وليعرفوا ما قالوه قادة العرب منذ عام 1919 وربما كانوا علي حق لسعيهم للسلام والعيش جنبا إلي جنب طالما أننا أبناء عم.. هذه بداية الحقائق لأية دراسات عن الصراع العربي الإسرائيلي بعد أن اختلطت كل الأمور بالدعايات الصهيونية المضللة وتزييف التاريخ. انثروبولوجيا اليهود مجال الانثربولوجي أو الانثروبولوجيا علم الإنسان بما يحلل من تاريخ قديم وحديث وبما يدرس من لغة ووثائق دينية وبما يقيس من أجسام وصفات تشريحية وراثية.. إلخ. مسمي اليهود.. ثمة تسميات ثلاث مترادفات: إسرائيل العبرانيون اليهود، الأولي نسبة إلي إسرائيل الاسم البديل ليعقوب والثانية مشتقة من هجرتهم من كلدان إلي كنعان، حيث عبروا نهر الفرات أو نهر الأردن أيا من النهرين فسموا بالعبرانيين ويقابل هذه التسمية عند المصريين القدماء habira وعند البابليين khabbira ولو أن هذه تلك تعني في رواية البدو أو اللصوص أو المرتزقة كما وصفهم أعداؤهم في كنعان إشارة إلي طبيعتهم كرعاة متخلفين حضاريا بالنسبة لهم. أما التسمية باليهودية فتدل أصلا علي أبناء يهودا أحد أبناء يعقوب الذين أصبحوا يمثلون البقية المهمة من بني إسرائيل بعد الأسر البابلي فصارت تطلق فيما بعد علي الإسرائيليين جميعا واسم يهودا نفسه قريب من اسم «إله الشعب ياهو» التي قد تكون بدورها تحريفا للنداء العربي ياهو.. وإن كان اليهود وجدوا في القرن الخامس والعشرين قبل الميلاد إلا أن بدايتهم في التاريخ القديم في القرن 18 قبل الميلاد مع إبراهيم عليه السلام وكانوا جماعة من الرعاة الرحل علي المشارف والتخوف الاسبستية لجنوب العراق الذي كان يؤلف دولة الكلبانيين في أور ومن قبل كان إبراهيم وقومه في قلب الجزيرة العربية نشأوا كجماعة من الجماعات السامية وفي القرن 18 هاجر وقومه في دورة عكس عقارب الساعة شمالا بغرب ثم جنوبا علي طول حواف الهلال الخصيب حتي وصلوا إلي حوران ثم إلي فلسطين وهناك سيولد له إسحاق ولإسحاق سيولد يعقوب ومن أبناء يعقوب الاثني عشر ستتأهل الأسباط أو القبائل الاثنتا عشرة الشهيرة في التاريخ والتوراة. وكانت هجرة إبراهيم عليه السلام إلي فلسطين أولي هجرات القبائل اليهودية ولم تكن الأخيرة فهم لا يأتوا مرة واحدة، بل علي دفعات ومن عدة طرق وتحت عدة قيادات. الهجرة الثانية كانت في القرن الرابع عشر قبل الميلاد وتوالت الهجرات من وقتها وحتي عصرنا وكانت الهجرات والشتات والتوهان من قبل الميلاد إلي مطالع العصر الحديث «الشتات البابلي الهاليني الروماني والوسيط والشتات الحديث ثم التركيز علي اليهود الاشكنازيم والسفارديم والمحرقة الهتلرية وموضوعات كثيرة يطول شرحها في عرض قادم إن شاء الله.