«إذا اشتكى الدمياطى من البطالة فقل على البلد يا رحمن يا رحيم»! حكمة مأثورة لا بد أن توضع فى ذهن أى مسئول عن هذا الوطن، تمرد الدمياطى ومظاهراته من أجل لقمة العيش ترمومتر لقياس مدى الانهيار الاقتصادى الذى وصل له البلد، مظاهرات صناع الأثاث الدمايطة لها دلالة فى منتهى الخطورة، ليست لأن الدمايطة على رأسهم ريشة ولكن لأن الدمايطة عمرهم ما اشتكوا من بطالة، فأن يأتى زمن «مرسى والإخوان» ليخرج الدمياطى فى مظاهرة عشان لقمة عيشه فهذه كارثة، خاصة أنهم كانوا من عاصرى الليمون ومؤيدى الرئيس فى الانتخابات، معرفتى الوثيقة بالدمايطة تؤكد أنهم شعب لا يعرف كلمة بطالة أو كسل، الموظف الدمياطى بعد ميعاد الانصراف من الممكن ودون أدنى خجل أن يذهب إلى الورشة ليعمل «استورجى» أو «نجار» ولا يمد يده لقريب أو جار ما دامت صحته جيدة، حتى التلميذ فى ابتدائى وإعدادى بيشتغل فى الورش وبيساعد أسرته، وفى الصيف ممكن يذهب إلى رأس البر للعمل على الشاطئ فى تأجير الشماسى، صياد عزبة البرج نسخة خاصة ومنقحة ومتميزة من الصيادين، حتى ساندويتش الفول والطعمية الدمياطى والبط الدمياطى والصيادية الدمياطى والجبنة الدمياطى عليهم علامة الجودة و«الأيزو» الذى لا يتكرر، خلية نحل ليلاً ونهاراً جعلت هذه المحافظة يابان مصر ونموذجها الذى يجب أن يُحتذى، كانت صناعة الجلود والأحذية فى دمياط صناعة اجتذبت الكثير من الدمايطة، لكنها ماتت منذ فترة ولكن ما زالت صناعة الألبان والحلويات الدمياطية التى لا تنافس موجودة ونابضة بالحياة، أما صناعة الأثاث الدمياطى فيكتب فيها مجلدات لا تستطيع إلا أن تفخر بهؤلاء العمال المهرة التى صقلت السنون خبراتهم فجعلتهم كنزاً لا ينضب، تخصصات مختلفة تحتار من تنوعها: النجار والاستورجى والأويمجى الفنان والذى ينحت كأنه مايكل أنجلو والمدهباتى والمارتكليه، كما ينطقها الدمايطة، والمنجد ونجار الأنتريه ونجار الصالون ورصاص عربيات الموبيليا الذى يتفنن فى رص هذا الكم من الخشب بمنتهى الإتقان والفن... إلخ، كل منها تخصص وكأنه علم الطب لا يجور فيه تخصص على آخر، كيف يأتى اليوم الذى تموت فيه صناعة الأثاث الدمياطى بفعل الجشع والعشوائية وعدم التخطيط وعدم حماية الصناعة الوطنية؟ لا يمكن أن تموت هذه الصناعة التى صمدت حتى فى عز الهزيمة وحتى فى زمن وقف التصدير إلى روسيا والذى كانت تعتمد عليه دمياط فى زمن حرب الاستنزاف بصورة كبيرة، هناك حيتان من تجار دمياط الكبار لا يجب القياس عليهم، يمصون دم عمال الورش الصغيرة، لكن معظم النجارين الصغار وأصحاب الورش المتوسطة يصرخون من أسعار الأخشاب والخامات المبالغ فيها التى جعلت منافسة المستورد الصينى مستحيلة، هل هو أمر بقتل الدمايطة إكلينيكياً؟ الدمياطى الذى تنزعه من ورشته أنت تقتله بالبطىء! الدمياطى الذى تحرمه من رائحة الخشب والنشارة والجومالاكا أنت تحكم عليه بالإعدام حسرة وكمداً! دمياط تنزف يا مرسى يا عياط يا من وعدتنا بأن تكون رئيساً لكل المصريين.