فى خضم مشكلات الوطن المتصاعدة وأزماته المتجددة التى يتسبب فيها، أو بمعنى أدق يصطنعها، النظام الحاكم تكاد سيناء تتوارى عن دائرة اهتمام المصريين إلا فى مناسبات الاحتفال التقليدى بعيد سيناء واحتفالات استرجاع طابا، وهى احتفالات باهتة فى العادة ولا تثير اهتمام المصريين حكاماً ومحكومين! ولم يتخلف النظام الحاكم الآن عن مجاراة سابقه فى إهمال سيناء وتناسى مطالب أهلها والاستمرار فى خطة تفريغها من مقومات التنمية والتعمير، والتفرغ فقط للحديث الأجوف عن أهميتها وضرورة إدماجها فى نسيج الوطن الأم وإنهاء عزلتها عن باقى أجزاء مصر. وفى الوقت الذى كاد النسيان يلف مأساة مجزرة رفح التى راح ضحيتها ستة عشر شهيداً من أبناء القوات المسلحة، تتصاعد خطورة تردى الأوضاع الأمنية فى سيناء بما يهدد أمن تلك البقعة الغالية من أرض مصر والأمن القومى المصرى فى كل أنحاء الوطن. فمنذ جريمة قتل أبناء القوات المسلحة فى «رفح» فى الخامس من أغسطس 2012 تتوالى الأحداث الإجرامية من عناصر تستهدف جيش مصر وشعبها وتريد إشاعة الفوضى فى سيناء ومصر كلها. إن الأحداث التى تتواتر أنباؤها تدل دلالة قاطعة على وجود مخطط إجرامى للإساءة إلى مصر وأمنها القومى، بينما لا تتعامل الرئاسة معها بالقدر اللازم من الحزم والحرص على المصالح الوطنية العليا لمصر. فبالرغم من مضىّ ثمانية أشهر على جريمة «رفح» وإعلان رئيس الجمهورية «المنتخب» إصراره على القصاص من الجناة المجرمين، وتصريحه الشهير بأنه يتولى بنفسه قيادة العملية «نسر» لتعقب الجناة وتطهير سيناء من البؤر الإجرامية والتنظيمات التكفيرية والمتشددة، فإن أحداً من أهل مصر لا يعلم شيئاً عن نتائج التحقيق فى تلك الجريمة ولا أسباب النكوص عن استكمال العملية «نسر»، ولا تزال الرئاسة صامتة لا تبدى اهتماماً ولو من أجل منع الشائعات والأقاويل التى تتردد فى وسائل الإعلام وفى المحافل والاجتماعات السياسية لتبرئة نفسها من تهم الضلوع فى صنع وتعميق مأساة سيناء. وعلى الرغم من التقرير الذى نُشر بمجلة «الأهرام العربى» الذى تضمن اتهاماً لثلاثة من القياديين فى حركة حماس بأنهم «خططوا وشاركوا فى جريمة رفح»، فإن الرئاسة لم تبد اهتماماً بالتحقق من هذا التقرير، بل إن المتحدث الإعلامى لجماعة الإخوان المسلمين جهاد الحداد سارع فى إحدى القنوات الفضائية بنفى التقرير واصفاً إياه بأنه «فقاعة إعلامية»! وقد استمر توالى الأنباء عن تربص الجماعات المعادية لمصر والراغبة فى إشاعة الفوضى فى سيناء ومصر كلها، فمنذ أيام نُشرت أخبار ضبط سبعة فلسطينيين فى مطار القاهرة وهم يحملون خرائط عن مواقع حساسة فى مصر، وقد أفادت وسائل الإعلام أن الرئاسة تدخلت للإفراج عنهم والسماح بترحيلهم دون التحقيق معهم والتحقق من الهدف الذى كان وراء حضورهم. وقد جاء فى مقال نُشر على موقع «منظومة الخطر» Threat Matrix أن السلطات المصرية لا تزال تتوقع أن جماعات المتشددين الإسلاميين فى سيناء قد تستأنف هجماتها وذلك كرد على تصريحات منسوبة إلى متحدثين عسكريين بأن الجيش لن يوقف العمليات ضد المتشددين ولن يدخل فى مفاوضات معهم. وتشير تعليقات صحفية إلى أن اتهام المهربين بارتكاب حوادث الاعتداء على مواقع الجيش والشرطة فى سيناء لا ينهض عليه دليل، بل أن مرتكبى تلك الأحداث هم عناصر من المتشددين المدربين عسكرياً. ويعتقد الكثيرون من المحللين العسكريين حسب صحيفة «الشرق الأوسط» أن أعداداً من عناصر السلفية الجهادية المرتبطين بتنظيم القاعدة قد انتشروا فى مواقع متعددة من سيناء وارتكبوا هجمات ضد القوات المسلحة المصرية وأفراد الشرطة وقوات حفظ السلام الدولية فضلاً عن هجمات ضد مواقع إسرائيلية وتفجير خط نقل الغاز إلى إسرائيل والأردن! وقد قُتل ضابط من القوات المسلحة يوم 11 يناير بواسطة قناص ضمن جماعة متشددة فى العريش! ومنذ أيام أذاع المتحدث الرسمى للقوات المسلحة نبأ ضبط عدد من الفلسطينيين ومعهم عدة أثواب من الأقمشة المستخدمة فى صنع الملابس العسكرية لضبط وجنود الجيش المصرى، وحذر المصريين من أن يكون الهدف هو استخدام الزى العسكرى لأفراد يبغون القيام بعمليات إجرامية ضد مواقع فى مصر، إلى الحد الذى قررت فيه القوات المسلحة تغيير زى الضباط والمجندين تحسباً لوقوع أعمال إرهابية يتستر مرتكبوها بالزى العسكرى. كذلك أُعلن فى راديو مصر منذ أيام عن ضبط ثلاثة فلسطينيين دخلوا إلى سيناء بطرق غير مشروعة، كما أُعلن عن ضبط عشرة مسلحين من عناصر «حماس» بحوزتهم كميات من الأسلحة الآلية ورؤوس الصواريخ وسبعة صناديق ذخيرة كانوا متجهين لتوصيلها إلى جماعات جهادية. ورغم جهود القوات المسلحة فى تعقب هذه العنصر الإجرامية الضالة، فالواضح أن طريقهم إلى مصر مستمر طالماً بقيت آفة الأنفاق بين مصر وغزة، وطالما استمر تفاهم جماعة الإخوان المسلمين ومنظمة حماس التابعة للجماعة على تحقيق خطة التمكين الإخوانية الحمساوية! والقضية المحورية والسبب الأساس فى استمرار عزل سيناء هو إصرار الحكم على أن تظل فراغاً تمرح فيه الجماعات المتشددة والمتسللين من قطاع غزة والطامعين فى تحويلها إلى «إمارة إسلامية» على غرار ما تفعله حماس فى غزة التى يتصور كثيرون هناك أن سيناء يمكن اتخاذها «وطناً بديلاً» يُهجّر إليها فلسطينيو غزة! وفى مواجهة تلك المخاطر التى تهدد سيناء ومن ثم تمثل تعرض مصر كلها لمخاطر لا يعلم مداها إلا الله، ينبغى أن تعود سيناء لتكون فى قلب اهتمام رئاسة الدولة والحكومة والبدء فوراً بتنفيذ خطة عاجلة لتعمير سيناء وتغيير أسلوب الدولة فى التعامل الأمنى المفرط فى العدوانية ضد المصريين من الأهالى ورفع القيود عن تملكهم أراضيهم وعقاراتهم. وفى سبيل تهيئة المناخ لإعادة الأمور إلى نصابها فى سيناء، فإن مصر تطالب الرئيس أن يجيب بكل وضوح عن أسئلة مهمة تتعلق بمصير التحقيقات فى مجزرة «رفح» وما هو دور الفلسطينيين فيها، وهل هم تابعون لحماس؟ ولماذا لم يطلب الرئيس فتح تحقيق فيما أوردته «الأهرام العربى» بشأن تورط بعض قياديين من حماس فى تخطيط وتنفيذ المجزرة؟ ثم تساؤل عن مدى صحة ما أثير عن دور الرئاسة فيما يقال عن عدم الموافقة على أعمال ردم وإغلاق الأنفاق بين مصر وغزة؟ وأخيراً التساؤل عن مدى مسئولية «حماس» عن العناصر الفلسطينية المتسللة إلى سيناء والتى يتم ضبطها، وما مدى صحة الأنباء عن وجود أربعة آلاف مقاتل فلسطينى تابعين لحماس فى مصر من قبل الثورة حتى الآن؟ ثم التساؤل الأهم الذى تصمت الأجهزة الرسمية وفى مقدمتها الرئاسة عنه، وهو: ما دور «حماس» فى الهجوم على السجون وأقسام الشرطة المصرية يوم 28 يناير 2011، وما مدى صحة الروايات عن خروج الرئيس شخصياً وآخرين من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من سجن وادى النطرون بمساعدة عناصر حماس؟ وبرغم أن قضية تجاهل سيناء امتدت عبر سنوات طويلة امتدت عبر عهود الرؤساء السابقين على العهد الحالى، فإن المسئولية الوطنية تقع الآن على عاتق الدكتور مرسى عن استمرار توقف مشروعات وخطط تنمية سيناء وتأخير إدماجها فى صلب الوطن باعتبارها جزءاً أصيلاً من مصر، ولا يمكن قبول الدفع بأن المشكلة قديمة، وأن الرئيس «المنتخب» مطالب بتفعيل ما جاء فى برنامجه الانتخابى بشأن تعمير سيناء! إن المطلوب من الدولة التى يمثلها رئيس الجمهورية أن تحوّل الشعارات إلى أعمال وإنجازات حقيقية ملموسة يحسها أهل سيناء على أرض الواقع، وأن يشعر كل المصريين بالاطمئنان إلى مصير البلاد عن طريق تأمين سيناء وتأكيد السيادة الوطنية على كامل التراب المصرى فى سيناء. وإلى أن يتحقق هذا المطلب، لك الله يا مصر.