بينما أهم بمغادرة مبنى التليفزيون بماسبيرو منذ عدة أيام بعد لقاء مع أحد قيادات ماسبيرو استوقفنى بشىء من الحدة ثلاثة من موظفى ماسبيرو فى الردهة المؤدية إلى الخروج من المبنى.. وانهال الثلاثة علىّ بالعتاب واللوم على مقالاتى السابقة حول تضخم مرتبات وحوافز ومكافآت العاملين بماسبيرو حتى أصبحت تلتهم 120٪ من مخصصات الحكومة لوزارة الإعلام.. فبعد أن كانت تلك الأجور لا تتجاوز الثمانين مليوناً شهرياً قبيل الثورة قفزت وتضاعفت بفضل المظاهرات والوقفات والابتزازات الفئوية من أهل ماسبيرو خاصة فى عهد اللواء طارق المهدى لتتجاوز حاجز المائتين وثمانين مليون جنيه شهرياً.. أى جميع قطاعات وزارة الإعلام بدون ميزانية إنتاجية بسبب التهام بند الأجور ل120٪ من الميزانية.. المهم أن الثلاثة تطور عتابهم إلى اللوم والتوبيخ.. فكيف لى أن أنتقد إصلاح أوضاعهم الوظيفية..؟ وكيف لى أن أطالب وزير الإعلام بلائحة مالية جديدة يتساوى فيها موظف وزارة الإعلام مع موظف وزارة الثقافة..؟ وكيف لى أن أطالبهم بالكف عن وقفات ومظاهرات الابتزاز وأن يلتفتوا لأعمالهم لإنقاذ سفينة الإعلام الغارقة؟ وكيف لى أن أضرب مثلاً بعامل أسانسير فى ماسبيرو يقترب مرتبه الآن من الخمسة آلاف جنيه ومساعد مخرج يتجاوز راتبه حاجز العشرة آلاف جنيه بعد أن كان لا يتجاوز الألف وخمسمائة قبيل الثورة..؟ وكيف لى لا أعتبر أن هذه هى حقوقهم المهدرة فى العقود الماضية؟ وهل أريد أن تذهب ميزانية وزارة الإعلام التى هى ملكهم لإنتاج برامج ومسلسلات وتذهب ملايين ماسبيرو لجيوب الممثلين والممثلات والمذيعين والمذيعات؟ ولهم حاولت أن أوضح وجهة نظرى بأن رسالتهم ورسالة وزارة الإعلام هى إنتاج هذه البرامج وهذه المسلسلات التى بالإضافة لسموّ رسالتها ستدر أرباحاً، إلا أنهم احتدّوا أكثر وتناثر لعاب أحدهم فى وجهى وهو يصيح بعصبية شديدة قائلاً: «إزاى يعنى أنا باجى كل يوم وبيتهد حيلى فى المواصلات وباترزع هنا لغاية آخر النهار وييجى واحد مذيع ولاّ ممثل بعربيته الأبّهة يقعد تلات أربع ساعات فى الاستديو المكيف ويهبر وهو مروح قد مرتبى فى الشهر خمسين مرة..؟ ظلم ده ولا مش ظلم؟» قلت له: طب والحل؟ قال: لا عايزين برامج ولا مسلسلات وهو كدا كويس والحكومة تزود ميزانية وزارة الإعلام ويزودوا لنا مرتباتنا تانى؟ قلت له: طب وشاشات التليفزيون المصرى التى أصبحت من فرط فقرها بلا مشاهدين وبلا إعلانات؟ وحضرتك هتعمل إيه إنت وجميع العاملين فى ماسبيرو تحليلاً لأجوركم ومرتباتكم وحوافزكم؟ فرد بكل حدة قائلاً: أمّال عايزنا نيجى نطفح الكوتة وآخر الشهر ناخد ملاليم وبتوع البرامج والمسلسلات يلهفوا الملايين اللى هى من حقنا.. قلت له: لأ طبعاً، حضراتكو توزعوا الملايين على بعض وتتحرق شاشات وإذاعات ماسبيرو بجاز وسخ بلا قوة ناعمة بلا رسالة إعلامية وتثقيفية بلا قرف.. فرد آخر منهم مستفزاً: «شكلك بتستهزأ بكلامنا»، فقلت كى أفلت من حصارهم وشرورهم: «إطلاقاً.. عندكو حق وأنا واللى زيى اللى غلطانين، بس يا ريت تحللوا بقى المرتبات والحوافز والمكافآت اللى بتاخدوها كل أول شهر»، فقال ثالثهم: وهو إحنا يعنى لما بنيجى كل يوم بنلاقى شغل نشتغله وما بنشتغلوش؟ فقلت: وهتلاقوا شغل ازاى وأجوركو بتشفط كل ميزانية الوزارة؟ وانتهى اللقاء على وعد منى تحت تهديد حصارهم لى أن أكتب مطالباً قيادات ماسبيرو بمضاعفة أجور السادة العاملين بماسبيرو، وها أنا أطالب.. أطالب بلائحة جديدة يتساوى فيها موظف وزارة الإعلام مع موظف وزارة الثقافة والوزارات الأخرى، فالمساواة فى الظلم عدل، وليس من المنطق أن يكون راتب موظف ماسبيرو خمسة أضعاف راتب زميله فى وزارة الثقافة، وليس من المنطقى أن يلتهم بند الأجور فقط كل ميزانية وزارة الإعلام حتى أصبح قيادات ماسبيرو يعقدون الاجتماعات ويضربون أخماساً فى أسداس لتوفير ما يشترون به حبر للبرينتر أو قيمة عدسة لكاميرا معطلة. والله من وراء القصد.