داخل محله الصغير فى منطقة الدراسة تلمح جسده النحيل بالكاد بين «برطمانات المخلل»، اعتاد أن يرتدى «بالطو أزرق وجوانتى» أثناء عمله. هو «عم عبده» الرجل الثمانينى وأشهر طرشجى فى «الدراسة»، قضى سنوات عمره كلها فى ذلك المحل الذى لم يستطع 20 ابناً وحفيداً أن يبعدوه عنه. «أحب آكل من عرق جبينى».. عبارة قالها بصوت مرتعش يبدو عليه التعب والإجهاد، لحقها بعبارة أخرى: «الموت عندى أرحم من قعدة البيت». ورث عم عبده المحل عن والده، ووالده ورثه عن جده، والثلاثة أتقنوا صناعة المخللات، لدرجة أن «صيت» العائلة فى التخليل لا يزال يتحاكى به كل سكان الدراسة. ويفاخر عم عبده بأنه أول من أدخل صناعة المخلل اللبنانى والمغربى والعراقى إلى مصر: «عندى قاعدة فى حياتى.. المحل لازم يكون نضيف وملابسى تكون أنضف عشان الحاجة تحلى فى عيون الزبون». مكسبه الحقيقى يبدأ مع شهر رجب وبدء أيام الصيام، ففى هذا التوقيت يزيد الرزق ويزيد أكثر مع حلول شهر رمضان، بعدها يسافر عم عبده إلى العمرة ويعود ليستريح أسبوعاً واحداً فقط ثم يبدأ العمل من جديد. سافر عم عبده إلى الكثير من الدول العربية، تعلم من بعض صناع المخلل طريقة التخليل بأنواع عربية مختلفة وعلمهم صناعة المخلل المصرى: «أحلى مخلل يفضله المصريين هو الجزر والخيار واللفت والليمون.. دول أحلى مخلل فى الدنيا».. ويكمل: «بس يكونوا من إيدين عم عبده العجوز». لا يخلل عم عبده الخضراوات مثل ورق العنب والبامية والكوسة فقط، بل أيضاً بعض أنواع الفاكهة مثل المانجو والموز والجوافة والتفاح: «الطرشى بقى صديق الفقراء والأغنياء، زمان كان بيحبوا المخلل فى أطباق من الفخار، ثم تطور تخليله فى براميل خشبية، والآن يصنع فى براميل بلاستيكية». عم عبده يتحسر على أيام زمان وزبون زمان: «كانت الناس عندها ذوق حتى فى الأكل، لكن مصائب قوم عند قوم فوائد.. الحمد لله الأيام دى السياسة سدت نفس الناس يبقى لازم مخلل عشان نفسهم تتفتح للأكل».