أدانت مؤسسة "نظرة" للدراسات النسوية، الاعتداءات الجسدية والجنسية المستمرة على الممرضات في عدد من المستشفيات بمحافظة بورسعيد، من بينهما مستشفى المساحة البحري (والمعروفة بمستشفى الصدر) ومستشفى الأميري، التي وقعت على مدار شهر مارس من العام الجاري. وأكدت نظرة، في بيان لها، الأربعاء، أن هذه الاعتداءات تطور لحالات العنف المجتمعي المتصاعدة والمرتبطة بحالة الانفلات الأمني وغياب إرادة سياسية حقيقية لمعالجة المشكلة من جذورها، إضافة لارتباطها الوثيق بالرؤية الدونية تجاه النساء العاملات في مهن مختلفة مثل التمريض والوصمة المجتمعية المصاحبة لها من الرجال والنساء وقبول الانتهاكات المتراكمة عليهن منذ سنوات. ووفقا لشهادات الممرضات بمستشفى المساحة البحري ومستشفى الأميري التي وثقتها نظرة، فإن تصاعد واستمرار تلك الاعتداءات نتيجة لحالة الإفلات من العقاب وبسبب عدم قيام القائمين على تأمين المستشفى والهيكل الإداري بها وأجهزة الأمن المعنية بالتصدي لها وتجاهلها، وتنصلهم جميعا من المسؤولية. ومن بين تلك الوقائع قيام أحد المرضى بمستشفى المساحة البحري بخلع ملابسه ومطاردة إحدى الممرضات في أروقة المستشفى وتهديدها بالاغتصاب أمام الجميع بسبب عدم استجابتها لطلب لا يتفق مع الإجراءات الطبية بالمستشفى، وعند قيام عامل الأمن بمحاولة التصدي له قام المريض بالاعتداء عليه بالضرب وتحطيم باب زجاجي بالمستشفى. وفي واقعة أخرى بنفس المستشفى، جاء مريض ومرافق له (أحد أقاربه) إلى المستشفى وقام المرافق بالدخول إلى غرفة المناوبة الخاصة بالممرضات والتدخين بها، وعندما قالت له الممرضة أنه لا يجوز التواجد بها وطالبته بالخروج لتبديل ملابسها رفض ترك الغرفة وقام بالاعتداء اللفظي لرفضها تبديل ملابسها أمامه وقام المريض الذي جاء لتلقي العلاج بمطاردتها وإصابتها بآلة حادة. وتناولت شهادة إحدى الممرضات بمستشفى المساحة البحري واقعة الاعتداء عليها بالضرب من قبل ابنة مريضة بالمستشفى، على خلفية إبلاغها بأن الطبيب غير متواجد، بعد قيام الأطباء بالإسعافات الأولية الخاصة بوالدتها، حينما طلبت الابنة بأن يتم توقيع الكشف على والدتها مرة أخرى، إضافة إلي وقائع مختلفة لجذب الممرضات من شعرهن. وشهدت مستشفى الأميري وقائع اعتداء مماثلة، حيث تعرضت ثلاث ممرضات للاعتداء بالضرب من قبل أقارب إحدى المريضات على خلفية اتهام الممرضات بسرقة خاتم كانت تضعه المريضة أثناء إجراء عملية واستمر الاعتداء بالضرب عليهن على مدار 30 دقيقة نتج عنه إصابات مختلفة. ولم يتمكن أمن المستشفى، المكون من ثلاث أشخاص فقط، من التدخل كما لم تتخذ إدارة المستشفى أي إجراءات. وتوضح شهادة أحد الأطباء الذي تعرض للاعتداء من مريض بمستشفى المساحة البحري تفاقم مشكلة العنف المجتمعي، حيث أكد الطبيب أن المستشفى أصبحت ساحة لممارسات عنيفة من قبل المواطنين والمرضى ضد أفراد الطاقم الطبي، نظرا للانفلات الأمني الذي تعانيه محافظة بورسعيد، خصوصا بعد تهميش المحافظة وحالة الغضب بعد الأحداث الأخيرة التي وقعت على خلفية الأحكام التي صدرت في 26 يناير 2013 و9 مارس 2013 في قضية مجزرة إستاد بورسعيد، حيث أصبح "بالبلطجة وقلة الأدب، اللي عايز دلوقتي يخش المستشفى بيخش"، على حد تعبيره. وتسببت واقعة الاعتداء عليه بإصابته بجرح تطلب تضميده 7 غرز وكسر بأحد أسنانه وارتجاج بالمخ، كما تم نقل ثلاث أطباء من واقع ثمانية بالمستشفى إلى محافظات أخرى بناء على طلبهم، بينما لا يقوم مدير المستشفى باتخاذ أي إجراءات أو تدابير للتصدي لتلك الاعتداءات، حيث يوجد عامل أمن واحد فقط لتأمين خمسة وأربعين ممرضة بمستشفى المساحة البحري. وإضافة إلي المهام الوظيفية للممرضات والظروف الصعبة والتحديات التي يعملن بها ونضالهن اليومي لمحاربة الوصمة المتعلقة بعملهن، فإنهن يواجهن ضغوطا نفسية بالغة لشعورهن الدائم بالاستهداف لكونهن نساء، وبسبب الإحساس بالتهميش المضاعف نتيجة لعدم قيام قوات الأمن العسكرية والمدنية بالاستجابة لاستغاثتهن على ضوء ظروف المحافظة الحالية، ما يحول من أداء عملهن التي من خلالها يساعدن أسرهن ويمارسن رسالة نبيلة في المجتمع، حيث أوضحت الشهادات تقاعس الأجهزة الأمنية بالمحافظة للتصدي لتلك الاعتداءات، حيث قامت الشرطة العسكرية في إحدى المرات بترك المُعتدين للمغادرة بعد تحرير محاضر "صورية"، كما أوضحت إحدى الممرضات بمستشفي المساحة بأن "الشرطة العسكرية مشت المريض"، ما يجعل قيامهن بعملهن وواجباتهن الوظيفية أصعب، فأضافت إحدى الممرضات "هو أنا كل شوية بدل ما أروح أمضي في شغلي، أروح أمضي في القسم؟ أنا بشتغل ممرضة، مش مخبر ولا أمين شرطة". ووفقا لإحدى الممرضات بمستشفي الأميري، عندما استغثن بقوات شرطة عسكرية للتدخل في إحدى الاعتداءات "العساكر مشوا الناس اللي ضربتنا بدون أي إجراءات ضدهم". وبالرغم من معرفة الممرضات بالاعتداءات التي يتعرض لها الأطباء الرجال ورفضهن لها، فإنهن يؤكدن أن الاعتداءات عليهن أكثر ليس فقط للأسباب المذكورة، ولكن أيضا بسبب أنهن يمضين وقت أكثر في المستشفي، "الدكتور مش مقيم... الاعتداءات على الممرضات أكثر". وبالرغم من معايشة الأطباء الاعتداءات التي يتعرضن لها الممرضات، فهم لا يقومون بأخذ أي إجراءات أو خطوات تحول من حدوثها وفقا للشهادات، ما يتركهن عرضة لأضعاف التهديدات والاعتداءات عن نظائرهن الأطباء، "مفيش مديرين تمسك المكان والدكاترة مش عايزين يشيلوا المسئولية دي.. إدارتنا فاشلة". وأكدت نظرة أن يجب على الدولة إدراك أن تأمين وحماية أفراد الطاقم الطبي والمستشفيات العامة والخاصة والميدانية هي مسؤوليتها، ويجب الشروع فورا في اتخاذ خطوات أمنية وعملية لوقف الاعتداءات الجنسية والجسدية على الممرضات. ويجب على المسؤولين إدراك ضرورة تضمين بعد النوع الاجتماعي في تلك الخطوات والتدابير. ويجب على الأطراف المعنية والقوى السياسية النظر للمجموعات المختلفة الأكثر عرضة للعنف ومحاولة طرح آليات واقتراحات للحد من تفاقم تلك الظاهرة ووضع تلك الإشكاليات على قائمة أولوياتهم.