من براح ميدان التحرير.. إلى آفاق «الخارجية» المصرية.. ثم إلى أسوار الجامعة العربية.. ذاك هو موجز رحلة درامية لرجل لطالما كان علماً من إعلام مصر الدبلوماسية والقانونية، ليقرر الدكتور نبيل العربى، الأمين العام للجامعة العربية تسليم مقعد الدولة السورية، مؤخراً، إلى تنظيمات معارضة، فى سابقة لم يعرفها تاريخ العرب ولا جامعتهم التى خرجت للنور قبل انصرام النصف الأول من القرن الماضى. وصل الأمين العام إلى مقعده فى ظروف ملتبسة، بعد اجتماع مغلق بينه وبين وزير الخارجية القطرى حمد بن جاسم، بقصر التحرير، المقر القديم لوزارة الخارجية، سحبت قطر بعده مرشحها لأمانة الجامعة، وسحبت مصر مرشحها الأول «مصطفى الفقى»، ليصبح الطريق خالياً أمام «العربى» إلى جامعة العرب؛ وقوبل الاتفاق المصرى - القطرى بموافقة من المجلس العسكرى الذى كان حريصاً قبل ذلك على بقاء «العربى» متولياً حقيبة «الخارجية» المصرية، لكن المجلس العسكرى قَبِل كيلا يضيع مقعد الأمين العام من مصر ومن ثم تحسب عليه كخسارة سياسية فادحة. بدأ الأمين العام مهمته وسط توقعات كبرى وطموحات أكبر من قِبل العالمين بتاريخه الدبلوماسى العظيم فخبرة ودهاء «العربى» فى القانون شكّلا صخرة أمام إسرائيل فى مفاوضات «كامب ديفيد» وأحد عقول المعركة القانونية لاستعادة طابا وأحد قضاة محكمة العدل الدولية الذين أصدروا الحكم التاريخى بعدم مشروعية الجدار العازل الإسرائيلى. رغم تاريخه الطويل، جاء أداء الأمين العام أقل من توقعات الكثيرين، حتى انهار سقف التوقعات فى فترة هى الأكثر التباساً فى تاريخ الجامعة، فبات تاريخ «العربى» نفسه على المحك. لم يقدم الدبلوماسى العتيد رؤية للملمة الأمن الإقليمى العربى المترهل، بعدما تأزم الوضع فى سوريا بين حكومة ومعارضة متناحرين، وبعدما فشلت مبادراته الدبلوماسية لاحتواء الأزمة السورية، لتتخذ الجامعة، مؤخراً، موقفاً شديد الانحياز ضد نظام «الأسد» السورى، بما يتفق مع سياسات دول الخليج، وفى مقدمتها قطر والسعودية، اللتان تشكلان رأس الحربة فى مقاومة حكم بشار الأسد. ستون عاماً من العمل الدبلوماسى الناصع دفعت البعض لأن يطالب نبيل العربى أن يتقدم لانتخابات الرئاسة المصرية، غير أن «العربى» الذى أعلن بوضوح أنه لن يترشح لانتخابات الرئاسة المصرية «لأن من قام بالثورة هو الأحق بإدارتها». أخيراً، انفضت سنون الدبلوماسى، لتطالبه بالرحيل عن منصبه قبل أن يتأزم الوضع السورى أكثر، ولكن تنتفض هذه السنوات الآن وتطالبه بالاستقالة معللة ضرورة ذلك «قبل أن تزداد تركة الجامعة العربية ثقلاً، ويضيع على مصر دورها الريادى بسبب قرارات الأمين الحالى». حمّل دبلوماسيون عرب بشار الأسد وزر تفتيت سوريا بين نظام ومعارضة متصارعين، لكنهم أكدوا أن الدماء ستطال ثياب الأمين العام بعد تغاضيه عن تسليح المعارضة ودعمها سياسياً خرقاً لكل القوانين والأعراف الدولية بمنحها مقعد سوريا فى قمة الدوحة العربية.