فى الديمقراطيات، تستند ثقة المواطنات والمواطنين فى الحكم إلى قواعد أربعة جوهرها الاختيار الحر والمعرفة، صندوق الانتخابات الحر وسيادة القانون والشفافية والمحاسبة. يكفل صندوق الانتخابات تمثيل رؤى ومصالح المواطن، ويمكّنه من المشاركة فى اختيار المسئولين التشريعيين والتنفيذيين المنتخبين، وإبقائهم فى مواقعهم أو تغييرهم بصفة دورية. تضمن سيادة القانون المساواة فى الحقوق والحريات والواجبات بين كافة المواطنات والمواطنين، وتحمى تكافؤ الفرص بينهم دون تمييز، وتلزم سلطات الدولة ومؤسساتها وأجهزتها بالتعامل معهم بحيادية، وتصنع إطاراً ناظماً لمضامين وحدود فعل السلطات والمؤسسات والأجهزة هذه عبر التوازن والرقابة المتبادلة بينها. تجعل المحاسبة من إخلال المسئول التشريعى أو التنفيذى بواجب تمثيل مصالح المواطن، ومن عصف سلطات الدولة ومؤسساتها بحقوقه وحرياته، ومن تجاهل المساواة وتكافؤ الفرص والحيادية، إما نواقص أو تجاوزات أو مخالفات أو أخطاء أو جرائم يعاقب عليها وتوقف الممارسات المرتبطة بها وتصحح تداعياتها. تضمن المحاسبة عدم الإفلات من العقاب إن بعد تلاعب ناعم أو خشن بصناديق الانتخابات، أو بعد استغلال للمسئول العام لمنصبه أو تورطه فى فساد، أو بعد انتهاكات لحقوق الإنسان، أو بعد تورط سلطات الدولة ومؤسساتها فى التمييز ضد بعض المواطنات والمواطنين. تعنى الشفافية إقرار حق المواطن فى المعرفة والحصول على معلومات كافية عن إدارة الشأن العام والقوانين والقرارات الناظمة له، عن موارد المجتمع العامة ومن بينها الضرائب التى يدفعها المواطن وأوجه تخصيصها وإنفاقها، عن أداء المسئولين المنتخبين والمعينين، عن ميزانيات وسياسات وممارسات سلطات الدولة ومؤسساتها وأجهزتها، عن دور الجماعات والأحزاب والنقابات والاتحادات والمنظمات فى المجتمع وأنشطتها، عن توجهات الرأى العام، عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتحولاتها. الشفافية، إذن، هى نتيجة التفعيل والتطبيق السياسى والمجتعى لقواعد الاختيار الحر وسيادة القانون والمحاسبة. حين يدرك المواطن أن الشأن العام يدار فى إطار اختياراته الحرة والمساواة الكاملة ومحاسبة الدولة والمسئولين المنتخبين والمعينين عن أفعالهم وممارساتهم، يثق فى السياسة. حين يدرك المواطن أنه يعرف ولديه معلومات حقيقية عن الشأن العام وخلفيات القوانين التى تشرع والقرارات التى تتخذ، يثق فى السياسة. حين يدرك المواطن أن سلطات الدولة ومؤسساتها تحترم القانون وأن المسئول يراقب ويحاسب بشفافية، يثق فى السياسة. الأوضاع المصرية الراهنة يغيب عنها الاختيار الحر وسيادة القانون والمحاسبة والشفافية، وتتصاعد بها ممارسات جوهرها العصف بتكافؤ الفرص وبالحقوق والحريات وبالكرامة الإنسانية، وتنتهك بها قيم المحاسبة والشفافية على نحو يومى. لذلك، ثقة المواطنات والمواطنين فى السياسة فى أدنى مستوياتها وشرعية القبول الشعبى للممارسات وللإجراءات ومن بينها الانتخابات تهتز بشدة. المواطن يثق فى السياسة حين يختار ويعرف.