يوميا، يخرج علينا ممثلو جماعات وأحزاب الإسلام السياسى بتصريحات وبيانات تختزل الديمقراطية فى صندوق الانتخابات وتساوى، بغض النظر عن مدى توافر النزاهة والشفافية، بين الأخير وبين الإرادة الشعبية. وعندما نحاجج بأن الديمقراطية، وإن كان صندوق الانتخابات من مقوماتها الأساسية، لا تقتصر عليه ولها شروط أخرى كسيادة القانون وحيادية الدولة ومؤسساتها، يدعى ممثلو الإسلام السياسى أن للأغلبية الفائزة فى الاستفتاءات والانتخابات مرجع الأمر كله وأن على المتضررين اللجوء للصندوق والمنافسة المستمرة. مجددا، أؤكد أن دور صندوق الانتخابات كمقوم أساسى للديمقراطية ولتمكين المواطنات والمواطنين من المشاركة فى إدارة الشأن العام يرتبط ارتباطا وثيقا بتوافر ضمانات النزاهة والشفافية. والضمانات هذه تُنتهك عندما تختل القواعد القانونية المنظمة للانتخابات، على النحو الذى يحدث الآن فى قانون الانتخابات الجديد، وكذلك عندما يسيطر على المواقع التنفيذية المعنية بتنظيم الانتخابات سياسيون منتمون لفصيل بعينه، وهو الأمر القائم اليوم من خلال سيطرة الإخوان على وزارات التنمية المحلية والإعلام والشباب وغيرها. مجددا، أؤكد أن الأغلبيات لكى تصبح أغلبيات ديمقراطية تحتاج لاحترام حيادية الدولة ومؤسساتها وأجهزتها. للأغلبيات تشكيل الحكومات واختيار الوزراء ومستشاريهم وشغل مواقع سياسية وتنفيذية أخرى، إلا أن الهيمنة على الدولة التى تسعى لها جماعة الإخوان اليوم تنفى جوهر الديمقراطية وتعصف بتكافؤ الفرص بين الجماعات والأحزاب والفصائل السياسية. على الأغلبيات أيضا، إن أرادت اكتساب الطبيعة الديمقراطية، تقديم النماذج الأرقى فى الالتزام بسيادة القانون واحترام قواعده. على النقيض من ذلك، يصر الإخوان وحلفاؤهم على مخالفة القانون بتوظيف دور العبادة للدعاية الحزبية والانتخابية وبغموض مصادر وحجم إنفاقهم الانتخابى وبالكثير من الممارسات التحايلية فى أيام الاستفتاءات والانتخابات. الأغلبيات، حين تصبح ديمقراطية، تبنى التوافق بجدية وتبحث عن الشراكة الوطنية مع القوى المنافسة، كبيرة وصغيرة، وبعيدا عن الدعوة المتكررة للحوار الوطنى التى تخلو من الكثير من المضمون، تُظهر خبرة العامين الماضيين فى مصر مدى بعد الإخوان وحلفائهم عن بناء التوافق والشراكة. نحن مع أغلبية إخوانية تحكم نعم، وتفوز فى صندوق الانتخابات إلى الآن نعم، إلا أنها من جهة تضع قواعد قانونية وعملية تبتعد عن النزاهة والشفافية. ومن جهة أخرى، تمارس الأغلبية دورها السياسى فى سياق سعى مستمر للهيمنة على الدولة والقضاء على حياديتها وفرض أمر واقع (فى الدستور والقوانين والسياسات الاقتصادية والاجتماعية) على الوطن وكأن القوى الأخرى بلا وزن ولا دور. فهل هذه أغلبية تحاجج بالتزامها الديمقراطى؟ وهل هذه أغلبية تستحق أن تمكن من بقية مؤسسات الدولة؟ بالقطع لا.