يعد القانون المصرى للجمعيات الأهلية رقم 84 لسنة 2002 هو أسوأ القوانين فى العالم، على الإطلاق، المتعلقة بالحق فى حرية التجمع والتنظيم. وكان الأمل كبيرا فى قوانين ما بعد الثورة أن تمنح الجمعيات ومنظمات المجتمع المدنى قدراً من الحرية، خاصة فى هذه المرحلة الانتقالية؛ فالمجتمع المدنى فى مصر الآن يلعب دورا مهما فى ظل التغيرات التى تحدث فى عقلية وشخصية وواقع المواطن المصرى. كان هناك بصيص أمل عندما كان القانون فى يد مجلس الشعب السابق، الذى أعتقد أنه كان يحتوى على نسبة ليست كافية، لكنها من الممكن أن تؤدى دورا جيدا فى الضغط من أجل قانون يحقق الهدف الحقيقى المنشود من وجود منظمات المجتمع المدنى. وبالطبع تلاشى هذا الأمل مع وجود مجلس الشورى الحالى الذى يعبر عن صوت واحد للرجعية وتجمد الأفكار. وخوف الإسلاميين الذين هم المجلس الحالى، ولن أقول أغلبيته، من أى تفعيل مادى ملموس لدور المنظمات المدنية بدءا من قانونها مرورا بتأسيس وعمل ونشاط تلك المنظمات والجمعيات الأهلية. ولم يخيب الله ظننا، فإذا بقانون لا يعد إلا استكمالا للحرب التى شنها المجلس العسكرى على المجتمع المدنى -عن عمد أم عن جهل، لم يعد هذا مهماً الآن- لأن المحصلة كانت وضع العراقيل أمام المجتمع المدنى حتى لا يتمكن من القيام بأدواره المختلفة من نشر مبادئ الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان ورصد وفضح الانتهاكات ومراقبة أداء الحكومة والمؤسسات والتوعية وتعزيز المشاركة الشعبية والمحاسبة والشفافية وتنمية المجتمع وبناء قدرات أفراده، وغيرها من الأدوار التى تعرقل ما تريد الحكومة تطبيقه من تسلط وانفراد بالحكم وسيطرة على مفاصل الدولة. فجاء القانون الجديد ليحظر على المنظمات غير الحكومية فى مصر التواصل مع منظمات أجنبية دون إذن سابق من الأجهزة الأمنية، القانون هو بناء على تعليمات صادرة من الدكتور هشام قنديل الذى يركز كل جهوده ساعيا فقط لإتمام عملية قرض صندوق النقد الدولى. ويحاول أن يرسى هو ورئيسه وحكومته مبدأ أنه لا مجال لتحسين الاقتصاد المصرى إلا بالاعتماد على القروض والمنح والمعونات التى ستقدم للحكومة المصرية. ويحظر على منظمات المجتمع المدنى التعاون مع المنظمات الأجنبية التى تعتمد بشكل أساسى على هذه الشراكة والتعاون تحت إطار قانونى وبإشراف وزارة التضامن. إن المجتمع المدنى يواجه قيودا هائلة ولا ندرى ماذا ينتظر المدافعون عن حقوق الإنسان ومن يعملون فى مجال حقوق الإنسان. وبموجب القانون الحالى فأمام منظمات المجتمع المدنى العديد من العقبات، بداية من التسجيل الذى يحتم عليها أن يكون لديها رصيد 250 ألف جنيه بعد أن كان فى القانون القديم 10 آلاف جنيه، يعنى حوالى 25 ضعفا، مع حظر الحصول على التمويل؛ بمعنى أن تعتمد فقط على تبرعات أعضائها التى لن تستطيع القيام بدور مؤثر لقلة هذه التبرعات كما هو معهود، ناهيك عن دور وسيطرة الأمن الوطنى الذى هو أمن الدولة فى عهد مبارك فلم يتغير شىء عدا الأسماء. ووصفت نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية حسيبة حاج صحراوى القانون قائلة: «نخشى من أن السلطات تحاول مرة أخرى أن تدفع باتجاه تمرير قانون يخنق المجتمع المدنى بغية وقف الانتقادات الموجهة إليها». فمنظمات حقوق الإنسان التى كانت تدافع عن الإخوان وهم فى السجون صارت هى العدو الأول الذى يريدون خنقه أو حرقه باتهامه تارة بالعمالة لصالح أجندات أجنبية وتارة بوضعه فى الأغلال. وأضافت حسيبة حاج صحراوى: «يتعين على السلطات أن تتوقف عن استخدام منظمات المجتمع المدنى المستقلة ككبش فداء لصرف الأنظار عمّا تعانيه مصر من متاعب». وأردفت: «إن حظر الاتصال بالكيانات الأجنبية يعيد إلى الأذهان ممارسات حقبة مبارك، التى تعهد الرئيس الحالى بالابتعاد عنها». وها هو مرسى يرجع فى عهوده كعادته وهنا لا يشهد عليه المجتمع والشعب المصرى فقط، لكن المنظمات الدولة الحقوقية أيضاً، ولن نسمح للإخوان مرة أخرى أن يستخدموا المنظمات غير الحكومية المستقلة ككبش فداء لجميع مشاكل مصر كما فعل مبارك من قبل وكما فعل المجلس العسكرى؛ فالثورة مستمرة..