على حصير من الخوص، بين يدي الله، ومشاعر الورع مختلطة بالخوف، خلف قضبان سجن طرة، التقى الشاب مصطفي الغريب، بضحية التعذيب، عصام عطا، منذ أكثر من عامين، حين طالب إدارة سجن طرة، مساواتهم بالسجان السياسيين، والسماح لهم بأداء فريضة الصلاة، فجمع الغريب عشرة سجناء من كل عنبر، ليسمح لهم بالصلاة بالمسجد، فكان عطا والغريب يتجاوران خمس مرات يومياً. وبعد الصمت لأكثر من عامين، استطاع مصطفى الغريب، كسر الخوف بداخله، وقرر الإدلاء بشاهدته في قضية قتل عصام عطا، بعد تعذيبهم بالسجن، قائلا ل"الوطن": "عصام مات "فطيس"، وهو ضحية الأوضاع المهينة داخل السجون والتعذيب بدلاً من العلاج". الغريب، مسير السجن، أو كما أسموه "الكومندا"، الذي يدافع عن حقوق السجناء، ويتحدث باسمهم، تعلم الخوف داخل أسوار السجن، بعد تعرضه للإرهاب النفسي والإهانة الجسدية، وهو ما منعه من الإدلاء بشاهدته طوال عامين منذ وقوع عصام بعد تعذيبه بالسجن، والذي يؤكد على انضباط سلوكه، مستشهداً بدفتر السجن الذي يسجل خروجه لأداء الصلاة كل يوم، وعدم تعاطيه مواد مخدرة كما أقر الطبيب الشرعي. سُجن الغريب، أحد المحاكمين عسكرياً، في قضية انتحال صفة عسكري، وخرج منها براءة بعد الحبس 9 أشهر، كان شاهداً فيها على واحدة من أشهر حالات التعذيب بالسجون، ويتذكر بامتعاض، أنه من استقدم أسرة عصام عطا لزيارته الأخيرة، والتي كانت سببا في تعذيبه، بعد الانقطاع عن زيارته لسوء حالتهم المادية قبل 3 شهور. بتوتر عصبي زائد، وورقة تنتفض من يديه، يروي التعذيب الشديد الذي لقاه عصام عطا عقب مغادرة والدته السجن، بعد اتهامه ببلع لفافة من المواد المخدرة، فاقتادوه إلى عنبر التعذيب، وتناوبوا عليه، على مسمع ومرأى من أعين والدته، التي أجبروها على الرحيل، تاركة نجلها لمصيره. تستقر عيناه الزائغتان، ويتذكر حين جاءت مصلحة السجون للتحقيق في الواقعة، واستبعدت شهادته، وطالبوا بإبعاده عن النيابة حين قدومها للتحقيق، قائلين: "ده بنته عضوة في 6 أبريل ابعدوا عننا". الغريب، الشاهد الثاني، الذي أكد وفاة عصام عطا بعد تعذيبه، ويتميز عن الشاهد الأول، سيد سمرة، بسجل جنائي خالٍ من أي قضايا أخرى، والذي يثبت وفاته بعد تعذيبه، عقب مشاجرة مع أحد المقربين لرجال المباحث، والذي اتهمه بابتلاعه مواد مخدرة هربت له، من خلال زيارة والدته. التعذيب بديل العلاج، كلمات يوضح بها حكاية عطا، ففي الوقت الذي لم يشاهد فيه عطا يدخن ولو مرة بالسجن، وقال: "وحتى لو بيتعاطى مواد مخدرة، لماذا لم يعالج بدلاً من تعذيبه، وإدخال خرطوم من دابره، وعدم استخدام الطرق الطبية في تحليل الدم وغيرها لإثبات تعاطيه المواد المخدرة، ثم تركوه ثلاثة أيام بدون علاج حتى فارق الحياة". توجه الغريب إلى النيانة، الاثنين، لإدلاء بأقواله ضمن إعادة فتح التحقيقات مرة أخرى في 10 سبتمبر الماضي، لحصول النيابة على مستندات وأدلة جديدة تفيد بتعرضه للتعذيب حتى فارق الحياة، أثناء قضائه عقوبة بالسجن سنتين، بعدما اعتقلته الشرطة العسكرية في فبراير 2011. وعلى غرار قضية خالد سعيد شرارة الثورة المصرية، جاءت رواية إدارة السجن وتقرير الطب الشرعي، اللذين أفادا بأن السجين لفظ أنفاسه الأخيرة داخل محبسه نتيجة ابتلاعه "أمبول" من مواد مخدرة.