كنت وما زلت أحد المتابعين بشغف لملف الجماعات الإسلامية فى مصر، وفى القلب منها جماعة الإخوان المسلمين، بحكم عملى المهنى كأحد المتخصصين فى هذا الملف الشائك، فى سنوات كانت تُمنع فيها الكتابة إلا بحسابات خاصة فى هذا الملف، وقضيت سنوات طويلة من عمرى أعمل مراسلاً بجريدة «الشرق الأوسط» اللندنية منذ بدايتى عندما دخلت محراب صاحبة الجلالة.. عملى فى هذا الملف وابتعادى بفضل الله عن الضغوط الأمنية المفروضة على العاملين فيه وقتها، بحكم طبيعة الصحيفة أنها دولية وغير مصرية، أتاح لى فرصة ذهبية للتواصل مع الإسلاميين، شرقاً وغرباً، وارتبطت بعلاقات وثيقة مع معظم قيادات هذه الجماعات، خاصة الإخوان، وفى هذا الإطار لا أنكر أننى كنت أحد المتعاطفين معهم جراء ما كنت شاهداً عليه من مطاردات وملاحقات أمنية اعتقدت أنها كانت مفتعلة، علماً بأن التعاطف كان يعتبر تهمة ربما يعاقب عليها القانون فى العهد السابق.. وأذكر واقعة أعتبرها الآن من الوقائع «اللطيفة»، عندما تلقيت دعوة غريبة وغير مسبوقة من رئاسة الجمهورية لحضور أحد المؤتمرات الانتخابية للرئيس السابق حسنى مبارك أثناء الانتخابات الرئاسية عام 2005، حالة الاستغراب الشديدة التى شعرت بها من الدعوة كانت لأنه لم يكن لى أى علاقة بالرئاسة أو حتى بقيادات النظام السابق باعتبارى أحد «المتعاطفين» مع الإخوان. فضولى الصحفى دفعنى لقبول الدعوة، وكان المؤتمر فى مدينة المحلة وذهبنا إلى هناك وكنا تقريباً 25 صحفياً من مختلف الصحف فى أتوبيس خصصته اللجنة الإعلامية للرئاسة، وكعادة الإجراءات الرئاسية المفرطة سلمنا كل متعلقاتنا لمرافقينا، وكانت المفاجأة عندما وصلنا إلى المحلة حيث سمح أمن الرئاسة لجميع زملائى بالحضور إلا العبد الفقير إلى الله، وحاولت أن أعرف سبباً منطقياً لدعوتى ثم منعى فلم أعرف، فانصرفت عائداً من المجهول تاركاً كل «أشيائى» وسط كلمات عزاء من زملائى وأصدقائى. وبعد أن عدت إلى القاهرة سعيت جاهداً لأعرف السبب، ففوجئت بمبرر فى منتهى الغرابة، هو أننى أقوم بتغطية أخبار جماعة الإخوان، وهو ما رآه أمن الرئاسة ربما يكون خطراً على الرئيس، فضحكت من كل قلبى، وتعجبت من طريقة تفكير من يديرون مؤسسة الرئاسة التى تعد إحدى أكبر المؤسسات فى مصر أو من يديرون مصر بأكملها. أتذكر هذه الواقعة الآن بأن تهمتى كانت «متعاطف» مع الإخوان، وسط حالة الهجوم الشديدة على «الجماعة» جراء مواقفها التى أصبحت تستخدم فيها نفس ممارسات النظام السابق، وكأن «الجماعة» سقط من ذاكرتها كل ما تعرضت له من ظلم دفع كثيرين مثلى للتعاطف معها وقت الظلم، وأصبحت تجرم «المتعاطفين» مع المعارضين. الآن.. والآن فقط أصبحت «الجماعة» تفقد كل متعاطف وأصبحت تكسب وتكتسب بأفعال وممارسات إقصائية ربما عداء الكثيرين من متعاطفيها السابقين، والغريب أن أحداً مما كنا نعتبرهم العقلاء والإصلاحيين فى «الجماعة» هم الآن من يقودون عملية تشويه وجه الإخوان ليتحولوا من مظلومين إلى ظالمين..!