أو لنقل أولاً: لماذا يكذب الكذاب؟ الكذاب يكذب إما ليخادع الناس فيستبدل الحقائق التى لا تفيده بالأكاذيب التى تدر عليه الفوائد والمكاسب، وإما أنه ضعيف لا يستطيع أن يجاهر الناس بحقيقته خجلاً منها فيحيلها إلى أكاذيب تبدل وضعه من الخزى إلى الزهو، أو يكذب الإنسان بدعوى أن الحق غير كفيل بتحقيق الخير، بينما الكذب والتلفيق هما القادران على تحقيق الأغراض النبيلة، وهذا زعم خطير لأنه يحدث تلبيساً فى النسق القيمى للإنسان أولاً والمجتمع ثانياً، ويكرس أهمية الكذب كقيمة إيجابية نوعية، ويطرحه بجوار الصدق سواء بسواء كوسائل لا غنى عنها، فلا يظل الكذب فى محبسه الأخلاقى كرذيلة، بل يتحول بهذا التلبيس إلى فضيلة، وبهذا المعنى فإن الكذاب يكذب انتقاماً من الصدق، واحتقاراً لقيمته، بل وكفراً بقدرته على تحقيق الأهداف العظيمة، وكأن من قدر الخير ألا يتحقق إلا بوسائل الشر، وهذا ما يجمله البعض بمسميات وعناوين أخرى، السياسة واحدة من أهمها، فيكاد يقول القائل: أنا أكذب لأننى سياسى، ويكرر السياسيون القاعدة نفسها ولكن بقول مختلف «لا سياسة فى الدين، ولا دين فى السياسة»، مع إقرارهم بأن الإسلام دين ودولة، لذا لما وجد بعض الأفاضل من الشيوخ أن الكذب صنو العمل السياسى قالوا: لا ينبغى أن يعمل الواعظ أو الداعية أو الشيخ فى السياسة لأن هذا يشوه قيمة الدين الذى يدعو له. هذه إذن أسباب الكذب، فتُرى لأى من هذه الأسباب يكذب الرئيس، الحقيقة أنه بمراجعةٍ للشواهد والمواقف المختلفة نجد أنه مثلاً حينما ادعى عمله سابقاً كمستشار فى مؤسسة «ناسا» كان يكذب ليحسن من سيرته اعتقاداً منه بأنها فى حقيقتها لا تستطيع أن تحمله إلى ذلك المنصب الرفيع، وحينما أقسم يميناً باحترام الدستور والقانون، وهو يضمر فى نفسه احتقارهما، كان يخادع الناس والجماهير استعداداً لخيانتهم، وحينما قال إنه لا يمكن أن يعرض دستوراً أو قانوناً للاستفتاء الشعبى قبل أن يكون هنالك اتفاق مجتمعى كامل عليه، كان يخادع أيضاً وينتوى الخيانة لمن يعاهدهم. وحينما تكرر الكذب كان يؤكد بذلك التكرار أنه منهجه فى العمل السياسى، لكنّ آخرين يقولون ربما يكذب الرئيس بل تكذب جماعة الإخوان لاعتقادها أنها فى حرب شاملة مع المجتمع بأسره وليس مع فصائل المعارضة وحدها، وأن الحرب تبيح لهم كل شىء من خداع وتضليل وكذب على خلفية القاعدة الفقهية «الضرورات تبيح المحظورات»، أو «لأن الحرب خدعة» أو «لأن كل شىء مباح فى الحب والحرب» كما يقول المثل الإنجليزى، وهذا هو التلبيس الشيطانى الأكبر الذى يصادق عنوة بين أحط النظريات السياسية المكيافيللية وبين أعظم الأديان السماوية، ويصافح بين الأهداف الإنسانية النبيلة والوسائل المتدنية الحقيرة فى تأويل مغلوط وتلبيس مقصود للتعاليم الدينية والمفاهيم والقيم الأخلاقية. آه.. يا ليت الرئيس مرسى اتخذ مع الرسول سبيلاً، يا ليته لم يتخذ فلاناً خليلاً، لقد أضله عن الذكر بعد إذ جاءه، وكان الشيطان للإنسان خذولاً، وسبيل الرسول (صلى الله عليه وسلم) مستقيم لا التواء فيه ولا اعوجاج، لا مراوغة فيه ولا اختفاء، هو بازغ كشمس النهار، منير كقمر الليل، ثابت لا يتردد، ماضٍ عند العزم لا يلتوى ولا يتوجس. آه.. يا ليت الإخوان المسلمين كانوا حقاً.. كانوا حقاً.. كانوا حقا؟