سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بالفيديو.. فرج فودة قبل 20 عاما: الإسلاميون يأخذون مصر إلى «صراع دموى» «الوطن» تنشر حواراً لم ينشر من قبل مع الرجل الذى ضحى بحياته دفاعاً عن «الدولة المدنية»
فى السابعة إلا الربع مساء 8 يونيو 1992، بينما كان المفكر والسياسى المصرى، المثير للجدل يهم بركوب سيارته أمام مكتبه الواقع فى شارع «أسما فهمى» فى مصر الجديدة، وبصحبة ابنه أحمد وأحد أصدقائه، خرج شابان على دراجة بخارية يطلقان عليه الرصاص، فسقط قتيلا ولم تفلح محاولات إنقاذه، بينما أصيب مرافقاه بإصابات طفيفة. كانت عملية الاغتيال، التى قام بها متطرف إسلامى لا يعرف القراءة والكتابة، ولم يقرأ ولم يسمع شيئاً عن فرج فودة سوى أنه كافر ومرتد عن الإسلام، إنفاذاً لفتوى لمفتى الجهاد وقتها الشيخ عمر عبدالرحمن، واعتبره الدكتور محمد الغزالى فى شهادته أمام المحكمة «مرتداً وجب قتله». ورغم أن السبب المعلن تاريخياً حتى الآن وراء الاغتيال هو أفكار فودة المدافعة عن الدولة المدنية ورفضه الشديد لإقامة دولة دينية، فإنه من خلال هذا الحوار الخاص المسجل، الذى أجريته مع الفقيد قبل فترة زمنية من اغتياله، يكشف أن الخلافات السياسية، وتعمد حزب الوفد إخراجه من عضويته أدى إلى رفع الغطاء السياسى عنه لحسابات انتخابية خاطئة وضعت فرج فودة وحيدا أمام فوهة مدفع جماعات التطرف الإسلامى لتغتاله فى الوقت الذى كان يسعى للحصول على ترخيص إنشاء حزب «المستقبل» ليدخل بعدها فى مواجهات فكرية علنية مع جماعات الإسلام السياسى المتشدد، كان آخرها تلك الندوة الساخنة التى عقدت على هامش معرض الكتاب قبل اغتياله بأشهر قليلة. المصادفة هى البطل الحقيقى لإجراء هذا الحوار القدرى الغريب، والمصادفة هى أيضاً البطل فى العثور على شريط الكاسيت المسجل عليه الحوار بعد أن اختفى منى لسنوات طويلة بين كراتين الكتب وأشرطة الكاسيت لأجده أمامى فجأة ليطل على من جديد معلنا رغبته فى البوح فى هذا التوقيت الذى تتخبط فيه مصر بين المحافظة على دولة مدنية ديمقراطية ودعوة قوية لتكوين دولة دينية، وهو صراع حسم على مستوى شرائح من النخبة السياسية والثقافية وليس على المستوى الجماهيرى، لصالح الدولة المدنية على يد الزعيم سعد زغلول فى الربع الأول من القرن الماضى بعبقرية سياسية فذة ليقفز بمصر حسب تعبير فودة فى هذا الحوار فوق حرب أهلية كان يمكن أن تشتعل 100 أو 200 عام. وما أشبه الليلة بالبارحة، كأننا لم نتعلم من درس سعد زغلول لأنه قدمه لنا مجانا ولم ندفع فيه ضريبة الدم كما دفعتها أوروبا لنحو 400 سنة حتى تستقر على الدولة المدنية، فى هذا الحوار يتنبأ فودة بالحالة السياسية التى وصلنا إليها الآن، وبدون قصد وبإحساس قدرى غريب يقدم حيثيات اغتياله قبل حدوثها بفترة، قائلاً بعفوية خلال الحوار: «إننى سعيد بهذا الحوار وأريد أن أتحدث معك وتستطيع أن تحصل منى على كل ما تريد»، وقد كان، ولكن نشر ذلك تأخر أكثر من 20 عاماً دون قصد منى، وحان وقت البوح. فى مكتبه بالطابق الأرضى فى شارع «أسما فهمى» المقابل لكلية البنات بمصر الجديدة، استقبلنى الدكتور فرج فودة صباح ذاك اليوم، الذى لا أتذكره تحديدا، كانت تسبقه الزوابع الفكرية والسياسية التى يثيرها معلنا تحديه سطوة جماعة الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسى المتشدد، خاصة جماعة الجهاد والشيخ صلاح أبوإسماعيل المدافع عن فكر الجهاديين بمشروعية قتل الحاكم الذى لا يطبق الشريعة، ساعيا بقوة للحصول على ترخيص من لجنة الأحزاب بمجلس الشورى لتأسيس حزب المستقبل.. وإلى نص الحوار: * لماذا تأسيس حزب بهذا الاسم وفى هذه الظروف؟ - لأن مصر تدور حالياً حول قضايا تنتمى للماضى أكثر من الحاضر، وهى قضايا لتصفية حسابات تاريخية بين قوى سياسية كانت إفرازا لواقع تاريخى مثل الإخوان والوفد ومصر الفتاة أو اليسار الشيوعى المصرى، أما الجيل الجديد فله تصورات أخرى ومعاناة مختلفة ولم يفرز اتجاهاته السياسية التى تعبر عن ذلك، والسبب غياب الديمقراطية داخل مؤسسات الدولة وفى الأحزاب السياسية، وهى ظاهرة موجودة تاريخيا فى مصر وتسىء للديمقراطية وهى غير حضارية، فالأحزاب التى تطالب بالديمقراطية لا تطبقها، وإيقاع الحياة السياسية المصرية غير سليم، فالأحزاب قائمة على الزعامات وليس على فكر واضح، وتعتمد فى أغلبها على منطق الجبهات، عكس ما نطرحه نحن كحزب للمستقبل بأن الحزب فكر يتزعم وليس زعيماً يذكر. * هل هناك ما يعيب فكرة تشكيل جبهة؟ - منطق الجبهة كان مفهوما بعد ثورة 1919 وقبل ثورة 1952 لأنه هناك كانت قضية محورية تجمع اليسار والوفد ليجلسا إلى مائدة واحدة ولا يشعرا باختلاف بينهما؛ لأن القضية كانت الاستقلال الوطنى، ولكن اليوم الصورة اختلفت، فليست هناك قضية للمطالبة بالاستقلال الوطنى، فلماذا الجبهة إذن، أفهم أن يكون حزب التجمع جبهوياً بحكم تكوينه، فهذا مفهوم، لذلك عندما هاجم زعيم حزب العمل الاشتراكى إبراهيم شكرى الوفد خلال انتخابات مجلس الشعب لضم الإخوان المسلمين فى تحالف كان لحسابات انتخابية فقط، وقتها قال شكرى إن حزبه أولى بهذا الضم أو الدعم الإسلامى؛ لأنه امتداد لحزب مصر الفتاة ذى التوجه الإسلامى المتشدد والذى أنشأه أحمد حسين وكان يرفع شعارات إسلامية متطرفة من منطلق فلسفى وهو أن «الفاشية هى الإسلام» حسب أقواله، والوضع الحالى فيه خلط فى الأوراق، والوفد الجديد هو الوفد القديم نفسه رغم اختلاف الظروف، ففى الوفد الحالى ليبراليون اقتصاديون ووفديون ناصريون وأيضا يسار ممثل فى الطليعة الوفدية، وأيضا إخوان مسلمون، لذلك فإن قرارات الوفد فى القضايا المصيرية غير حاسمة، مثلا فى مسألة اتفاقية كامب ديفيد، على سبيل المثال: هناك من يطالب بإلغائها، وهناك من يقول إنها التزام دولى يجب أن يُحترم، أما الوفد فيقول: «إنها أسقطت نفسها لأن إسرائيل لم تلتزم بها» فهو يلف حول الموضوع ليرضى كل الأطراف. وفى حزب الأحرار جناح ليبرالى وآخر يمينى دينى، وفى الحزب الوطنى، الذى أنشأه السادات ليعبر عن ملامح فكره، سعى لتكوين جناح ناصرى، رغم أن فكر السادات وعبدالناصر على طرفى نقيض. لذلك أتصور أن الأحزاب المقبلة فى مصر ستكون أحزاباً واضحة فكرياً، حيث أتوقع أن ينشأ حزب يتبنى الليبرالية كفكر، وحزب يتبنى الفكر الدينى، وآخر اشتراكى ديمقراطى وحزب يسار وسط. * تقصد أنك تراهن على منطقة الوسط؟ - منطقة الوسط فى مصر، للأسف، خالية دون حزب، وجيلى وجيلك غير موجودين فى هذه الأحزاب، فجيلى هو جيل هزيمة 67 الذى قضى أغلب أبنائه 7 سنوات من عمرهم على خط النار بلا أمل فى الانتصار وهم غير قادرين حتى على الحلم، هذا الجيل الذى تغيرت فيه أعلام مصر أمامه 5 مرات واسمها 3 مرات وسلامها الوطنى 3 مرات ودخلت فى تجارب وحدة لا تحصى ولا تعد، وتغير دستورها 3 مرات، وأصبح هذا الجيل يشعر بالغربة فى الوطن ويبحث فى الغربة عن وطن، هذا جيل غير موجود فى الأحزاب الحالية، ولكنه الجيل الذى سيحكم السياسة المقبلة فى مصر، حيث سنرى فيها ديمقراطية وأحزاباً حقيقية. إننا نواجه ظاهرة غريبة بسبب عدم تواصل الأجيال، فالحياة السياسية لم تعرف إلا الجيل الخمسينى فى العمر أو ما فوق سن الخمسين، ولم تحدث مواجهة بين الأجيال إلا من خلال العنف فى مظاهرات الجامعة عام 68، ولكن المواجهة السياسية بين الأجيال لم تحدث إلا من خلال جيل خالد الإسلامبولى؛ أى تم القفز من الجيل الخمسينى للجيل العشرينى ليظهر التطرف فى مصر بوضوح ممثلاً فى اتجاه الإسلام السياسى، وهناك فجوة كبيرة بين الأجيال فى الحياة السياسية لعدم وجود ديمقراطية داخل الأحزاب ولا فى مؤسسات الدولة ولا داخل الحكم، ولذلك لم يعبر جيلنا عن نفسه، ولا عن مصالحه ولم يشارك فى الحياة السياسية، وأتصور أنه ليس هناك عائق فى أن تقوم الأحزاب الديمقراطية بانتخاب هيئاتها العليا ولجانها من خلال مؤتمر عام، فالقصد من الأحزاب أنها مدرسة لتعليم الديمقراطية. * بسبب هذه التجربة الشخصية خرجت من الوفد وتسعى لتأسيس حزب خاص بك؟ - بعد الاختلاف والاستقالة من الوفد وجدت أناساً كثيرين يشجعوننى على تأسيس حزب نقول من خلاله ما اختلفنا من أجله مع الآخرين، فنحن نعارض ما تقوم به الأحزاب حاليا من الاتجار بالدين واللعب بهذا الكارت خطير جدا، وخطورته أنه طرح مثقفين، والواقع أن تطبيق الشريعة الإسلامية ليس من أولويات المواطن المصرى العادى البسيط وهى قضية غير موجودة فى ذهنه؛ لأن أولوياته هى غلاء الأسعار وانخفاض أسعار المحاصيل الزراعية ومشاكل الإسكان وغيرها من هموم الحياة. وأتساءل: لماذا تطبيق الشريعة الإسلامية فى مصر وهى من أقل الدول فى شرب الخمور، ومن أكثر الدول تدينا، ومن أكثر الدول تركيزا على الدين فى المساحات الإعلامية. المسألة كلها باختصار أنه عندما تفلس الأحزاب ويفلس السياسيون، يلعبون على المشاعر الدينية لأنها المدخل السريع لمشاعر الناس وليس عقولهم، وهذا الخلط بين الدين والسياسة هو الخطر، والخطورة أن هذا الطرح قد يكون خطوة فى اتجاه تكوين دولة دينية، ونحن نرفض إقامة دولة يحكمها رجال الدين أو تقوم على أساس دينى، لأن إقامة دولة دينية ليست أمور أغلبية لتحسمها، فهذا الطرح الفكرى نوع من الغباء السياسى وغير واقعى، ولا تقل لى إنه عندما تقوم دولة دينية فى مصر، سوف يشعر 7 ملايين قبطى أو أياً كان عددهم بالسعادة، فهذا غير حقيقى، هناك مسلمون مستنيرون لا يقبلون بصيغة الدولة الدينية الإسلامية، وفكرة الدولة الدينية الإسلامية غير قائمة فى الإسلام، وهى قضية فقهية خلافية وغير محسومة فى كتابات كثيرة وليس فقط الشيخ على عبدالرازق فى كتابه «الإسلام وأصول الحكم»، فهناك كثيرون يرون أن الدولة الدينية كانت موجودة فقط على عهد الرسول «ص»، أما ما تلا ذلك فهى دولة دنيوية استغل فيها الدين لصالح الحكام. * وما نموذج الدولة الدينية الذى يخيفك، وما الاعتراض على ما هو قائم الآن؟ - طرح الدولة الدينية ليس إفراز يوم وليلة، وإنما هو افراز أكثر من ألف عام من الحكم تحت ستار الدين، وباسم الدين كانت الحدود تطبق، وأمام كل خليفة سياف ونطع، وكانت أى نكتة أو طرفة يمكن أن تطيح برقبة إنسان؛ لذلك علينا أن نسأل: لماذا تطور أو انتقل المجتمع المصرى إلى وضع آخر، هل كان ذلك بتأثير الاستعمار؟ الإجابة عندى لا، ولكن للأسف، فإن مصر تعود حاليا إلى خيارات تم حسمها فى بداية القرن الماضى لصالح الدولة المدنية بعد أن كان هناك اتجاه فى بداية القرن للخلافة الإسلامية وإنشاء مجلس شورى بدلا من البرلمانات النيابية الديمقراطية، وأعيد طرح قضية المستبد العادل. لقد تم حسم هذا الصراع لصالح القضايا الأكثر تقدما، ولكن هذا الحسم لم يكن من خلال صراع حقيقى داخل المجتمع، إنما من خلال أناس ذوى عقول مستنيرة سبقوا عصرهم وقفزوا على الواقع وبالمجتمع المصرى، نتيجة لشعبيتهم، ولذلك فإن سعد زغلول هو أعظم زعيم أنجبته مصر بعد أخناتون، فقد طرح الدولة المدنية بديلا للدولة الدينية والقومية المصرية بديلا للخلافة الإسلامية، وتحرير المرأة بديلا للحجاب وجلوسها فى البيت، والاستقلال الوطنى والقومية المصرية بديلا لمحتوى أكبر مثل الخلافة، وقفز سعد زغلول بمصر فوق صراع كان يمكن أن يسحب البلاد للخلف أكثر من 100 أو 200 عام لنغرق فى صراع دموى بين مسلمين يحاربون مسيحيين، ومسلمين متطرفين يحاربون مسلمين متنورين، لقد ظلت أوروبا حبيسة هذا الصراع لمدة 400 سنة حتى حُسم نهائيا، هل يريدون أن نغرق كمجتمع مصرى فى صراع دينى نتعارك حول «هذا صح وهذا غلط»، هذا مالكى وهذا حنفى، ولعقود طويلة، حتى نصل فى النهاية إلى خيار الدولة المدنية. * أنت ترى أن هناك تخطيطا لسحب البلاد إلى هذا الصراع الدموى؟ - بالتأكيد، فالقوى التى فشلت فى الوصول إلى عقل الإنسان المصرى تلعب على مشاعره الدينية، وهناك أحزاب تفعلها بوعى مثل حزب العمل الاشتراكى وهو امتداد لمصر الفتاة الذى كان يرفع شعارات إسلامية متطرفة، أما الوفد فإنه يلعبها لحسابات انتخابية خاطئة ليضيف لرصيده التاريخى أصوات الإسلاميين ولكنه فى الواقع يخسر أصوات الأقباط والمسلمين المتنورين، فقد تصور بتحالفه مع الإخوان أنه سوف يكسب الشارع السياسى الإسلامى، وفى تصورى أن الإخوان أضعف الحلقات فى هذا الشارع، أما حلقات التطرف فهى الأقوى ولكن ليست لهم علاقة بصندوق الانتخابات، وكان رهان الوفد ليس على الإخوان ولكن على هذا الشارع السياسى الإسلامى بما فيه من حلقات التطرف ولذلك فإن هذا التحالف تم من خلال الشيخ صلاح أبوإسماعيل الذى تطوع بالدفاع فى قضية تنظيم الجهاد ليبرر مشروعية قتل الحاكم، وحسبها الشيخ سياسيا، وفى تصورى أنه لم يكن يدافع عن الجناة الواقفين فى قفص الاتهام، ولكن دفاعه كان فى الواقع عن فكر الإرهاب، وكان وعده أن يضم لقائمة التحالف مع الوفد منظمة الجهاد وتوابعها ومن يتعاطف معها فى الشارع السياسى الإسلامى المتطرف، وبعد انتهاء الانتخابات البرلمانية كان ينتظر قطف الثمرة بتعيينه رئيسا أو زعيما لنواب الوفد فى البرلمان، وهو ما لم يحدث، فقد اختار فؤاد سراج الدين المستشار ممتاز نصار وكان حديث العهد بالوفد وهو علمانى لهذا المنصب، ومن ثم تحدد دور صلاح أبوإسماعيل فى حزب الوفد. * هل تعتقد أن الوفد ضحى بك متعمدا فى إطار صفقة مع صلاح أبوإسماعيل؟ - أعتقد أن خروجى من الوفد كان مقصودا، ولكننى لم أفهم ذلك إلا متأخرا، حيث أعلن فؤاد سراج الدين فى حوار لجريدة الأحرار أن فرج فودة لا يعبر إلا عن نفسه، وبدأ هذا التحالف يتململ من تصريحاتى ومن شخصى ولرفعى شعار «المصرية» مقابل «الإسلامية»، وأنا أقول لهم وأردد: «أجيبونى عن هذا السؤال: هل نحن نسعى إلى تكوين دولة دينية أم دولة مدنية؟ إننى أطرح هذا السؤال حتى لا ننساق إلى المجهول وعلى من يؤكد الدولة الدينية أن يقول لنا: إلى ماذا يسعى بوضوح؟