هل صدقاً أن دراما هذا العام تعبر عن الكتلة الأكبر من الناس؟ هل ما نستقبله من شخصيات وأفكار درامية ما هو إلا نتاج واقع صاغته ظروف التشتت والارتباك؟ وهل هناك مساحة شاسعة بين الواقع الحقيقى والخيال الدرامى لم تتزن فيها الحالة التى نعيشها؟ وهل يوجد فى دراما هذا العام ظل يقرب بيننا وبين المجتمع أم أن أغلب ما تقدمه هو حياة النخبة الاقتصادية وكأنها تخاطبها هى فقط وأعمال أخرى قليلة تنقل الطبقة الشعبية بشكل سطحى تقدم أمراضها وتفاقمها وبعضاً من مشاكلها دون أن تضيف إليها أو تسبقها ولو بخطوة لا تكشف لها شيئاً مختلفاً ولا تضىء لها عتمة ولا تقدم وجهة نظر واضحة؟ فالدراما التى تذهب للطبقة الشعبية إما تجارية أو كوميديا وهى ترضى المشاهد فقط، والمؤكد أن الكتلة الأكبر فى المجتمع وهى الطبقة الوسطى بكل مستوياتها شبه غائبة ربما كانت هذه الكتلة لغزاً لصناع الدراما لم يحل بعد فاجتنبوها، وبصرف النظر عن نوع الطبقات التى شكلت الخطوط الكبرى لدراما هذا العام، فالشىء الإيجابى الذى أصبحت عليه أغلب الدراما، وإن لم تع، هو البحث عن هوية المجتمع بل والبحث عن هوية الإنسان وعلاقته بنفسه وعالمه، ولأن الدراما هى الترمومتر الحساس وبالذات عندما يكون هناك مبدعون حقيقيون فجاءت الدراما دون اتفاق تبحث عن الذات وتعيد النظر فى كل الأشياء وكأنها تبحث عن اليقين. عدد كبير من الأعمال البارزة تتحدث عن الخير والشر بشكل واضح وعن النفس البشرية مطامعها وأهوائها وأمراضها والتشكيلة الصارخة من التناقضات النفسية مع حضور واضح للشر وللصدأ الذى سكن الحياة والنفوس، كما لو كانت الدراما تريد أن تقول إنه يجب أن ننظر لأنفسنا من الداخل ونحاول اكتشافها بصدق لنعرف من نحن وما علاقتنا بالحياة وهل هناك مقياس لفتنة الخير والشر وكيف نواجه أنفسنا بحجم ما يسكننا من شر، وتأثير هذا الشر فى الحياة، وهل الطليق من هذا على السطح هو أقل من الراسب فى النفوس، وهل يملؤها الخير أم الشر، وهل هو الأثقل فى الميزان. هل نؤمن بأن الأخطاء بها ما يقودنا إلى الصواب أم إلى مزيد من الندم والأخطاء وكيف نصل إلى يقين، الدراما دون اتفاق سواء كانت تلك التى تحاول التفتيش فى عصور قريبة من الأربعينات والخمسينات إلى السبعينات أو التى تحاول التفتيش عن المجتمع فى الفترة الحالية، فتركيبة الشخصيات وتركيبة المجتمع بها ما يفسر لنا ما يحدث فى الواقع الملتبس الآن، كما لو كانت هذه الدراما هى الضوء الذى يكشف حالة اللايقين التى نعيشها وتبحث عن إجابات كثيرة، ربما كانت مسلسلات أفراح القبة وونوس وجراند أوتيل وفوق مستوى الشبهات وسقوط حر بها من الأسئلة التى تحاول البحث عن أجوبة، والخير والشر فى مطلقه يشكل الصراع فى ونوس، شيطان وإنسان وبينهما الشك والإيمان لأسرة متماسكة عندما يقتحمها فيروس الطمع، أفراح القبة أو التواطؤ الجماعى ضد الحقيقة وعندما تتكشف بوضوح عن طريق مسرحية تجسد مجتمعهم الصغير يتعرى الجميع أمام نفسه وأمام الآخرين ويصبح السؤال هل لديهم المقدرة لاستكمال الحياة أم أنهم سيقتلون بعضهم البعض، جراند أوتيل يرجع لفترة زمنية رغم كوارثها كانت تتميز بأن الطبقات بها واضحة وكان هناك مظهر راق يخفى من تحته أمراضاً كثيرة، وهذا المسلسل غسل العيون من تلوث بصرى عنيف وأعاد الرقى والذوق فى الحوار والمظهر، وفى هذا المسلسل معان اندثرت إلى حد الفقد ،وقبلنا فيها العزاء وكان لحضورها وبعثها من جديد إعادة حياة لنفوس ضجرت بالتصحر وتحتاج إلى حلم وملجأ تعتصم به واستمتعت بالتضحية بأروع معانيها والإيثار بالسخاء ووهج العشق، أما الشخصية التى تقدمها يسرا فهى مصنع لا يكف عن إنتاج الشر كل لحظة، وهو الشر الذى يحاول الانتصار علينا فى هذه المرحلة، إنها تجسيد للشرور التى تجمعت وأصبحت تحاصرنا وأصبح هناك مرض يحدث فى المجتمع للأذى بهدف التدمير والتدمير فقط، المؤكد أن أسئلة الدراما تتأثر بأجواء نعيشها، البحث عن يقين والأسئلة الكبرى المطروحة فى أعمال مثل ونوس وأفراح القبة هى أسئلة مجتمع تائه ومرتبك، الاضطراب فى شخصية نيللى كريم هو اضطراب فى المجتمع، فالاضطراب الانشقاقى هو مرض اجتماعى فنحن فى أغلب الأحيان لا ندرك من نحن ولا نملك المسئولية الكاملة عن أفعالنا، نحن الشىء وعكسه نرتكب الجريمة ونندم عليها ننهى الأشياء أو نقتلها وهى بداية لنهايتنا أو لعذاب مستمر، نحن فى حالة ارتباك ينصهر فيها الشر وتتأرجح بين الإقلاع والهبوط ونبحث عن العبور.