المسلسلات التركية والمكسيكية المدبلجة أصبحت ظاهرة فى الفترة الأخيرة وتواجه ما تقدمه الدراما العربية وعلى رأسها الدراما المصرية من شدة الواقعية اللافتة للنظر، وأعتقد أنه السبب الرئيسى والجوهرى لما نحن بصدده الآن من انصراف الجمهور عنها وانجذابهم لتلك المسلسلات بما فيها من ولع وتوهج عاطفى مفقود فى مسلسلاتنا. بالإضافة للتناقض الجم بين ما هو جميل معروض لديهم والصورة القبيحة التى تفرضها الدراما الواقعية، وهو ما يجعلنا نبحث فى ماهية الواقعية! فهل من الضرورى أن يكون الفن واقعياً لدرجة أنه محاكاة للواقع دون تقديم النموذج أو القدوة؟ وهل دور الفن نقل الواقع بقبحه وبذاءته إلى الفنون ويظل تحت شعار الفن؟ وهل انتشار ورواج مثل تلك المسلسلات لمحاكاتها للواقع أم لأنها تعرض وتناقش صورا نفتقدها فى واقعنا الأليم؟ ما رأيته أن أغلب تلك الموضوعات تتمحور حول الحب والغرام والعلاقات الرومانسية، وهو ما لا يتوافر لدى المجتمع الشرقى والعربى نظراً لعدة عوامل منها سيطرة الواقعية على حياتنا بابتعاد الرجل والمرأة على تجديد العلاقة الرومانسية فيما بينهما بحيث تتحول الحياة إلى روتين لتربية الأولاد ورعايتهم فقط، وأعتقد أنه موروث ثقافى خاطئ للأسف، أيضاً انشغال ذوى الأمر بالجانب الاقتصادى على حساب المشاعر الإنسانية والوجدانية للبحث وراء المادة للتغلب على الظروف الاقتصادية السيئة التى تعيشها الطبقة المتوسطة وهى الأغلبية المطلقة فى الوطن العربى، كذلك الجانب الدينى والذى يتخذه البعض بمفهومه الخاطئ لرفض العلاقة مع الطرف الآخر، والعمل على نبذ أى مؤشر عن تجديد المشاعر الرومانسية بين الزوجين.
ومثل هذه المسلسلات يمثل غزوا فكريا وثقافيا فى زمن زادت فيه معدلات الطلاق وارتفاع سن الزواج بآثارها النفسية السيئة ومقارنتها بما يطلق من مشاهد إباحية على الشاشات ويؤثر سلباً على مجتمعنا الشرقى، وهو ما يثير لدينا كثيرا من التساؤلات التى نود أن نلقى إجابة عليها حتى تفيق الدراما العربية والمصرية من حالة الوهم بالانفراد والبطولة والريادة وأن نعيش على أرض الواقع ونبحث عن سبل جديدة لانتعاشة الدراما المصرية.. فهل نستطيع أن نعتبرها موضة أو موجة وسوف تزول وتنتهى؟ أم أنها غزو حقيقى سيستمر ولن يزول مادامت معدلات المشاهدة زادت؟ أين العمق والبحث عن المفاهيم والقيم الغائبة؟
فدائماً ما يبدأ الغزو من خلال القوى الناعمة التى تضرب هوية المجتمع، ولذا نود أن تكون المسلسلات المدبلجة بمثابة ناقوس خطر يدق باب كل من يعمل فى المجال الفنى والإبداعى والثقافى ونبحث سوياً عن إيجاد سبل ووسائل جديدة لجذب المشاهد العربى، كما أتصور وجوب شىء من التحدى لدى فنانينا لنصل بأعمالنا الإبداعية للسيطرة على المنطقة بأكملها وتُوزع أعمالنا على نطاق أوسع لتصل لهذه الدول وغيرها التى تبث سمومها متمثلة فى عادات وقيم تبتعد عنا كل البعد داخل إطار الأعمال الفنية، ويكون هناك رد فعل إيجابى ونحاول غزو العقول بثقافتنا العربية وبث القيم النبيلة والابتعاد عن الواقعية المبتذلة.. فليس العيب أن تحاول بعض الدول فرض سيطرتها ونشر ثقافتها وفنونها، لكن العيب الحقيقى ما نحن عليه الآن من سلبية وهو ما أدى للتفكير فى مصر أم الحضارات بهذا الشكل!
وأخيراً فى ظل العولمة والانفتاح الفكرى والثقافى بعد تحول العالم لقرية صغيرة هل من الممكن أن ينقطع البث لمثل تلك المسلسلات؟ أم علينا أن نبحث عن الحلول الجذرية لانقضاء تلك الظاهرة؟.