مقتلة عظيمة وقعت فى عائلة هند بنت عتبة خلال غزوة بدر، شملت أباها عتبة بن ربيعة، وعمها شيبة بن ربيعة، وأخاها الوليد بن عتبة. كانت الصدمة قاسية على هند، وعندما وصلها نبأ أن حمزة عم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هو من صرع أباها فى مبارزة حرة، آلت على نفسها أن تنتقم منه. ومنذ اللحظة الأولى التى كانت قريش تجرجر فيها أذيال الخيبة والهزيمة، بدأت هند تحرض على الثأر، وتدفع أهل مكة إلى الاستعداد لمواجهة محمد وصحبه فى يوم يكون لهم، وسرعان ما استعد الجميع ليوم اللقاء، وهو يوم لم تتخلف عنه هند ولا نساء العرب، حيث قادتهن «السيدة الأولى» نحو الخروج وراء الرجال، حتى لا يجبنوا فى المعركة، ويفهم كل من يقاتل أن الهزيمة تعنى سبى نساء مكة، وهو أمر عند العرب عظيم!. «ودعا جبير بن مطعم غلاماً له حبشياً يقال له وحشى، يقذف بحربة له قذف الحبشة، قلما يخطئ بها، فقال له: اخرج مع الناس، فإن أنت قتلت حمزة عم محمد بعمى طعيمة بن عدى، فأنت عتيق، قال فخرجت قريش بحدها وحديدها، وجدها وأحابيشها، ومن تابعها من بنى كنانة وأهل تهامة، وخرج أبوسفيان صخر بن حرب، وهو قائد الناس، ومعه زوجته هند بنت عتبة بن ربيعة، وخرج عكرمة بن أبى جهل بزوجته ابنة عمه أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة، وخرج عمه الحارث بن هشام بزوجته فاطمة بنت الوليد بن المغيرة، وخرج صفوان بن أمية ببرزة بنت مسعود بن عمرو بن عمير الثقفية، وخرج عمرو بن العاص بريطة بنت منبه بن الحجاج، وهى ام ابنه عبدالله بن عمرو، وذكر غيرهم ممن خرج بامرأته. قال وكان وحشى كلما مر بهند بنت عتبة أو مرت به تقول: ويها أبا دسمة.. اشف واشتف، يعنى تحرضه على قتل حمزة بن عبدالمطلب». كانت هند أشبه بجهاز تحريضى يمشى على قدمين خلال غزوة أحد، ولم يكن يعوزها الأدوات التى تمكنها من النجاح فى ذلك، فقد كانت ذات عبارة حادة نافذة فى الحديث، وذات طلاقة فى قول الشعر وإبداعه، وكانت تعرف كيف تصيب أهدافها بكلماتها من أقصر الطرق. أخذت «هند» ونساء مكة يحرضن الرجال على القتال بالضرب على الدفوف، ويقول صاحب البداية والنهاية إنها كانت تنشد فى هذا المقام شعراً تقول فيه: «إن تقبلوا نعانق * ونفرش النمارق.. أو تدبروا نفارق * فراق غير وامق». ولم يغن هذا التحريض عن أهل الشرك شيئاً فى بداية المعركة، إذ سرعان ما انكشفوا أمام المسلمين، وكادت الدائرة تدور عليهم، لولا ما تعلم من ترك رماة المسلمين مواقعهم، طمعاً فى الغنائم، فدارت الدائرة عليهم، وتمكن أهل الشرك من رقابهم. شخص واحد كان واقفاً بمفرده يراقب ما يحدث وهو يمسك بحربته، إنه «وحشى». لم تكن عينه تغرب عن حمزة بن عبدالمطلب، وظل ماكثاً يتحين الفرص، حتى جاءت اللحظة، فصوب حربته الحبشية لتصيب أسد الله ورسوله فى مقتل، ليسقط بعدها صريعاً مغدوراً. قال ابن اسحاق: «ووقعت هند بنت عتبة والنسوة اللائى معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يجدعن الآذان والأنوف، حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنوفهم قلائد، وأعطت قلائدها وقرطها وحشياً، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها». وعاش معاوية بن أبى سفيان بعد ذلك معيراً بما فعلته أمه، حين كان يصفه الغاضبون عليه ب«ابن آكلة الأكباد»، رغم أن الإسلام يجب ما قبله، لكن يبدو أن ثمة جروحاً بشرية لا تندمل بسهولة!.