باتت إعادة بناء النظام الإعلامى المصرى ضرورة ملحة للمساهمة فى خدمة المصلحة العامة، وإعادة بناء الدولة، والانسجام مع مطالب «ثورتى يناير ويونيو»، وتحقيق آمال الجماعة الإعلامية والصحفية المصرية الرامية إلى التمتع بإطار حريات مستحقة، وتحقيق تطور مهنى يعكس مسئولية تجاه الجمهور والدولة. إن إعادة بناء النظام الإعلامى المصرى عملية مركبة تستلزم تضافر جهود السياسيين والإعلاميين والمجتمع المدنى، كما تستلزم حرصاً وتفاعلاً من الجمهور، ومتابعة دقيقة لإدراك الأهداف الإعلامية، التى تتعلق مباشرة بالمصالح الوطنية. ستبدأ تلك العملية من الوفاء بالاستحقاقات الدستورية التى أكدت حرية التعبير وإبداء الرأى، وأزالت العقوبات السالبة للحرية من معظم جرائم النشر، وأتاحت الحق فى الحصول على المعلومات، وضمنت استقلالية وسائل الإعلام وحرية إصدارها، وحظرت تعطيلها أو إغلاقها. وقد ضمنت تلك التعديلات الدستورية أيضاً استقلالية وسائل الإعلام المملوكة للدولة، وحريتها، وتوازنها حيال المصالح الاجتماعية والسياسية فى المجتمع، وضرورة اتباعها أنماط أداء مهنية وإدارية رشيدة. توفر التعديلات الدستورية، التى تم إقرارها فى يناير 2014، إطاراً جيداً لضبط الإعلام والحفاظ على استقلاليته وحريته فى آن واحد. وفيما تنص المواد 211، و212، و213 على إنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وهيئتى الصحافة والإعلام الوطنيتين، فإن المواد 65 و68 و70 و71 و72، توفر إطاراً شاملاً للحفاظ على حرية الرأى والتعبير، وصيانة حق الحصول على المعلومات، وإلغاء القوانين السالبة للحرية فى جرائم النشر، وضمان استقلالية وسائل الإعلام المملوكة للدولة عن أى سلطة من السلطات. كما تنص المادة 77 من الدستور على دور النقابات المهنية فى إصدار مواثيق الشرف، ومساءلة أعضائها، من أجل ضبط الأداء المهنى وتقويمه، وعلى ضرورة أخذ رأيها فى التشريعات المنظمة لمجال عملها. ويستلزم ذلك إصدار مجلس النواب قانون إنشاء نقابة الإعلاميين، الذى بات مطلباً ملحاً تأخر تنفيذه، لتقوم تلك النقابة بتنظيم المجال الإعلامى، وتعريف «الإعلامى»، ووضع الاشتراطات اللازمة لأدائه وظيفته، فضلاً عن مساءلته ومحاسبته، استناداً إلى ميثاق الشرف الذى تضعه كحق أصيل وحصرى لها. لكن تلك الاستحقاقات الدستورية لا يمكن أن تنعكس فى خطط ناجعة لإعادة بناء النظام الإعلامى المصرى من دون قوانين لتفعيلها، وفى هذه الأثناء فإن مشروع قانون الصحافة والإعلام الموحد الذى أعدته اللجنة الوطنية لصياغة التشريعات الصحفية والإعلامية يبدو الأساس الوحيد الصالح للبناء عليه، عبر إصداره من خلال مجلس النواب، بموازاة إصدار قانون إنشاء نقابة الإعلاميين، وتنقية قوانين العقوبات المصرية من المواد التى تتعارض مع الدستور، وفق المقترح الذى قدمته اللجنة. لقد أنجزت الجماعة الصحفية والإعلامية عملاً مهماً، حين قدمت مشروع القانون الموحد للصحافة والإعلام، بصحبة مشروع قانون إزالة العقوبات السالبة للحرية من القوانين المصرية، ودعمت مشروع قانون إنشاء نقابة الإعلاميين، ونادت بضرورة إصدار قانون الحق فى تداول المعلومات، لتفعيل المادة 68 من الدستور. كما أظهرت الحكومة وعياً ومسئولية حين أقرت مشروع القانون من جانبها، وتبنته، ودفعت به إلى مجلس النواب لمناقشته وإقراره. سيكون مشروع القانون الذى سيناقشه مجلس النواب أساساً جيداً لعملية معقدة وطويلة لإعادة بناء النظام الإعلامى المصرى، بشكل يتسق مع الإرادة الوطنية كما تجلت فى مطالبات «ثورتى يناير ويونيو»، وكما اتضحت فى الموافقة على التعديلات الدستورية فى 2014، وبما يحقق المصلحة الوطنية فى إعلام مصرى رشيد وحر ومتنوع وقوى ومسئول. لكن طريق الإصلاح وإعادة البناء ما زال طويلاً وشاقاً، وهو الأمر الذى يستلزم بقاء الجماعة الصحفية والإعلامية موحدة ومنتظمة فى أطر عمل واعية ورشيدة، من أجل تحقيق الإصلاحات التى ستضع الإعلام المصرى فى المكانة المستحقة.