أعلن المستشار مجدى العجاتى، وزير الشئون القانونية والنيابية، أن الحكومة المصرية سترسل إلى البرلمان خلال الأيام القليلة المقبلة نصوص اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، حتى يتخذ البرلمان موقفه الحاسم منها. وقد أثارت هذه الاتفاقية جدلاً واسعاً فى كافة الأوساط المصرية، مما يرجّح انتقال هذا الجدل إلى ساحة البرلمان مع بدء المناقشة والتصويت عليها. وقد تضمنت نصوص الاتفاقية المذكورة عدداً من البنود المهمة التى أكدتها اجتماعات اللجان المشتركة بين البلدين واستندت أيضاً إلى نصوص القرار 27 لسنة 1990 بتحديد نقاط الأساس الخاصة بالبحر الإقليمى المصرى والمنطقة الاقتصادية الخالصة. وقد تضمنت المادة الأولى من الاتفاقية: 1- يبدأ خط الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية من نقطة الالتقاء المشتركة للحدود البحرية المصرية السعودية الأردنية فى خليج العقبة والتى سيتم الاتفاق عليها لاحقاً بين الدول الثلاث. كما تضمنت أن يمتد خط الحدود البحرية بين البلدين من نقطة الالتقاء المشتركة للحدود البحرية المذكورة فى الفقرة «1» من هذه المادة إلى نقطة الحدود البحرية رقم «1»، ومنها يمتد فى خطوط مستقيمة تصل بين نقاط خط الحدود البحرية بين البلدين فى خليج العقبة والبحر الأحمر حتى نقطة الحدود البحرية رقم «61»، وفقاً للإحداثيات الجغرافية لنقاط خط الحدود البحرية بين البلدين. وقد تضمنت نصوص الاتفاقية النقاط المحددة بالتفصيل، ذلك أن خط الأساس هو خط يُقاس ابتداء من البحر الإقليمى لبلد ما، وتُعتبر المياه التى خلفه مياهاً إقليمية للدولة الساحلية، ذلك أن خط الأساس هو خط مستقيم يصل بين رؤوس النقاط البارزة لشاطئ الدولة وبشرط أن لا يبعد عن الاتجاه العام للشاطئ وأن تكون المياه التى خلفه متصلة بما فيه الكفاية باليابسة لتلك الدولة. ولقد سمحت اتفاقية 1982 (اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار) باتباع طريقة الخطوط المستقيمة الواصلة بين النقاط المختلفة، وهى ما يطلق عليها الخطوط الأساسية، ويقاس منها عرض البحر الإقليمى، كما تقول الاتفاقية، وتكون المياه المحبوسة بين خط الأساس والحد الخارجى للعرض المتفق عليه (12 ميلاً مثلاً) هى البحر الإقليمى للدولة وما يقع خارجه ليس تابعاً للدولة. وقد حددت اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار 1982 ثلاث طرق مستخدمة لقياس خط الأساس، وهى خط الأساس الطبيعى، الشعب المرجانية، خطوط الأساس المستقيمة. وهنا تؤكد الاتفاقية أنه يجوز للدولة الساحلية أن تحدد خطوط الأساس تباعاً بأى طريقة من الطرق المنصوص عليها بما يناسب اختلاف الظروف. ومن هنا يمكن القول: فى حال تعيين حدود البحر الإقليمى بين دولتين ذواتى سواحل متقابلة أو متلاصقة وفقاً لهذه الاتفاقية فى حال عدم وجود اتفاق بينهما لا يحق لأى منها أن تمد بحرها الإقليمى إلى أبعد من الخط الوسط الذى تكون كل نقطة عليه متساوية فى بُعدها عن أقرب النقاط على خط الأساس الذى يقاس منه عرض البحر الإقليمى لكل من الدولتين. وقد تضمنت الاتفاقية التى جرى توقيعها فى 8/4/2016 خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى القاهرة تحديد خطوط الأساس وفقاً للقرار الجمهورى المصرى رقم 27 لسنة 1990، وأيضاً استناداً إلى محاضر اللجنة المصرية السعودية المشتركة التى عقدت إحدى عشرة جلسة بدأت فى 26 و27/1/2010م، برئاسة مريع الشهوانى، رئيس الهيئة العامة للمساحة فى المملكة العربية السعودية، والسفير وجيه سعيد حنفى، مساعد وزير الخارجية المصرية للشئون القانونية الدولية والمعاهدات، وانتهت بالاجتماع الحادى عشر خلال الفترة من 21 مارس إلى 7 أبريل 2016 برئاسة السفير محمود سامى، مساعد وزير الخارجية المصرى للشئون القانونية الدولية والمعاهدات، ود. عبدالعزيز بن إبراهيم الصعب، رئيس الهيئة العامة للمساحة فى المملكة العربية السعودية، والتى تضمنت قيام الجانبين بتبادل إحداثيات نقاط الأساس الواردة بقرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 27 لسنة 1990 بشأن خطوط الأساس التى تقاس منها المناطق البحرية لجمهورية مصر العربية، ونقاط الأساس الواردة بالمرسوم الملكى رقم «م/4» بتاريخ 26/1/1431ه الموافق 12 يناير 2010م، بشأن خطوط الأساس للمناطق البحرية للمملكة العربية السعودية. وقد أكد هذا الاجتماع أنه قد تمت مراجعة الإحداثيات الجغرافية التى تم إرفاقها لنقاط الحدود البحرية بين البلدين على المرجع «الجيوديسى» العالمى 84، وتم تدقيقها بصورة فنية، بما يؤهل لإبرام اتفاقية تعيين الحدود بين البلدين. وهكذا نصت الاتفاقية فى بندها الثالث على أن النظام الجيوديسى العالمى «84 WGS» هو مرجع الإحداثيات الجغرافية لنقاط الحدود البحرية التى تم ذكرها فى هذه المادة. وقد أكدت المادة الثانية من الاتفاقية المذكورة على إرفاق خارطة مجمعة من خارطتَى الأدميرالية البريطانية رقم «158» ورقم «159» بمقياس «750000:1» موقع عليها من البلدين توضح خط الحدود البحرية بينهما وتكون هذه الخارطة للإيضاح فقط. كما نصت الفقرة الثانية فى هذه المادة على أن يكون المرجع الأساس لخط الحدود البحرية بين البلدين هو الإحداثيات الجغرافية لمواقع نقاط خط الحدود البحرية الواردة فى المادة الأولى من هذه الاتفاقية، وهى التى تبدأ من نقاط الالتقاء المشتركة للحدود البحرية المصرية السعودية الأردنية. أما المادة الثالثة والأخيرة من اتفاقية تحديد الحدود البحرية فقد تضمنت فقرتين: الأولى أنه يتم التصديق على هذه الاتفاقية وفقاً للإجراءات القانونية والدستورية فى كلا البلدين على أن تدخل حيز النفاذ من تاريخ وثائق التصديق عليها. وإذا كانت الحكومة السعودية ومجلس الشورى السعودى قد وافقا مؤخراً على نص الاتفاقية فإن مجلس النواب المصرى فى انتظار وصول نص الاتفاقية إليه من الحكومة، لإحالتها إلى اللجان المختصة ومنها لجان الشئون العربية والعلاقات الخارجية والدفاع والأمن القومى والدستورية لمناقشة الاتفاقية وبدء عقد لجان استماع يتحدث فيها الخبراء والمختصون لمناقشة كافة وجهات النظر حول الاتفاقية، ثم تُعرض على الجلسة العامة لمناقشتها تفصيلياً، ثم يجرى عرضها للتصويت، فإذا ما وافق عليها البرلمان فى ضوء ما هو مقدم من وثائق فسيتم التصديق عليها، أما إذا اعترض البرلمان فهنا لن يكون أمام المملكة العربية السعودية سوى اللجوء للتحكيم الدولى، وهو أمر بالقطع سينعكس بالسلب على العلاقات بين البلدين، خاصة إذا كانت الحكومة المصرية قد أقرت بملكية السعودية للجزيرتين، مما يعنى أن السعودية ستحصل على حكم سريع من هيئة التحكيم الدولية فى حال رفض البرلمان للاتفاقية. أما الحديث عن عرض الاتفاقية على الاستفتاء الشعبى استناداً إلى المادة «151» من الدستور فهو حديث مغلوط وغير دستورى. لقد نصت المادة «151» من الدستور على «يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات ويصدّق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً لأحكام الدستور، ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة، وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أى معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة». إن حقائق التاريخ تقول إن مصر لم تعترف إطلاقاً بملكيتها للجزيرتين، أو سيادتها عليهما، بل إن مندوب مصر لدى الأممالمتحدة قال فى كلمته أمام الأممالمتحدة فى 27 مايو 1967: «إن مصر لم تحاول فى أى وقت من الأوقات أن تدّعى أن السيادة على هاتين الجزيرتين قد انتقلت إليها، بل إن أقصى ما أكدت عليه هو أن تتولى مسئولية الدفاع عن الجزيرتين». وقد كشفت د. هدى جمال عبدالناصر عن وثائق لوزارة الخارجية المصرية فى 20/5/1967 فيها إجابة واضحة لا تقبل الجدل وتؤكد نصاً أن الحكومة المصرية اتفقت مع المملكة العربية السعودية على أن تقوم القوات المصرية باحتلال جزيرتَى تيران وصنافير. كما تضمنت مذكرة الخارجية المصرية أنها أرسلت فى 28 فبراير 1950 مذكرة إلى الحكومة البريطانية بوصفها الدولة التى تستعمل الخليج لتموين قواتها فى الأردن تفيدها بأنها قد قامت باحتلال الجزيرتين بالاتفاق التام مع الحكومة السعودية وأن هذا الاحتلال لن يعكر المرور البرىء وفقاً للعرف الدولى ومبادئ القانون الدولى المقررة، كما أبلغت السفارة الأمريكية بمذكرة مماثلة فى 30/1/1950. ولا يغنى عن ذلك المذكرة التى رفعها د. عصمت عبدالمجيد، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية المصرى، ومعه د. مفيد شهاب، رئيس قسم القانون الدولى بجامعة القاهرة، إلى مجلس الوزراء المصرى المنعقد فى 4 مارس 1990 برئاسة د. عاطف صدقى رداً على رسالتَى وزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل وتضمنت: 1- أنه من الثابت أن الجزيرتين تتبعان المملكة العربية السعودية. 2- أن الوجود المصرى فى الجزيرتين بدأ عام 1950، وبموافقة المملكة العربية السعودية خلال فترة المواجهة مع إسرائيل. 3- أن أى نظرة خاصة لهاتين الجزيرتين من جانب حكومة جمهورية مصر العربية تفرضها طبيعة وضع معين يستدعى أن تبقيا تحت إدارة مصر وإلى أن تحتاج المملكة لهما، ستنال من جانب حكومة المملكة ما هو جدير بها من اهتمام، وسينظر إليها الجانب السعودى بكل تبصر فى الأمور. 4- أن الجانب السعودى لا ينوى خلق ظروف قد تؤثر على النهج الذى رسمته مصر لسياستها الخارجية. وفى ضوء ذلك أكد د. عصمت عبدالمجيد فى هذا الاجتماع: 1- حكومة جمهورية مصر العربية فى موقفها من الجزيرتين تركز اهتمامها على ضرورة مراعاة عدم الإخلال بالتزاماتها الإقليمية والدولية طبقاً لاتفاقيات الدولة التى أبرمتها بشأن إقرار السلام فى المنطقة «ج»، حيث توجد بعض القيود على الوجود العسكرى المصرى، وحيث تتولى الشرطة المدنية المصرية مهامها داخل المياه الإقليمية للمنطقة، فضلاً عن تمركز القوات متعددة الجنسيات. وقال د. عبدالمجيد إنه تمت الاستعانة بالإدارة القانونية لوزارة الخارجية والأستاذ الدكتور مفيد شهاب رئيس قسم القانون الدولى بجامعة القاهرة لدراسة الموضوع من الجوانب القانونية وأسفرت الدراسة عما يلى: - أنه من الأمور الثابتة تاريخياً أن السيادة على الجزيرتين كانت للمملكة العربية السعودية، إلا حين قيام مصر فى ظروف المواجهة العسكرية مع إسرائيل عام 1950 باحتلالهما احتلالاً فعلياً، وأن مصر لجأت إلى ذلك فى ضوء المحاولات التى ظهرت من جانب السلطات الإسرائيلية تجاه الجزيرتين، وأن هذه الخطوات تمت بموافقة ومباركة المملكة العربية السعودية. - أنه من الأمور المستقرة فى القانون الدولى فقهاً وقانوناً أن السيادة على الإقليم لا تتأثر بإدارة دولة أخرى له. وهكذا فإن كافة الدلائل والوثائق تؤكد أن مصر لم تفرض سيادتها على الجزيرتين وإنما تولت إدارتهما فقط، مما يعنى تعارض ذلك مع نص المادة «151» من الدستور المصرى القاضية بإجراء استفتاء فى حال التنازل عن السيادة، ومن ثم فلا حاجة لهذا الاستفتاء، وإنما يكون مجلس النواب هو فقط المعنىّ بالموافقة على الاتفاقية أو رفضها. أما عن الفقرة الثانية من المادة الثالثة من الاتفاقية، والتى تنص على ضرورة إخطار الأمين العام للأمم المتحدة بهذه الاتفاقية لتسجيلها وفقاً لأحكام المادة «102» من ميثاق الأممالمتحدة بعد دخولها حيز النفاذ، فهذا لن يتم إلا بعد التصديق النهائى من الدولتين على الاتفاقية، وتحديداً «مجلس النواب المصرى». وقد جرى التوقيع على هذه الاتفاقية فى الثامن من أبريل 2016، من خلال المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء المصرى، والأمير محمد بن سلمان، ولى ولى عهد السعودية، حيث أكد البلدان أن التوقيع على هذه الاتفاقية يُعد إنجازاً هاماً من شأنه أن يمكّن الدولتين من الاستفادة من المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما بما توفره من ثروات وموارد وتعود بالمنفعة الاقتصادية عليهما. وأشار البيان إلى أن هذا الإنجاز جاء بعد عمل شاق وطويل استغرق أكثر من 6 سنوات انعقدت خلالها إحدى عشرة جولة لاجتماعات لجنة تعيين الحدود البحرية بين البلدين. وأكد البيان أن «اللجنة اعتمدت فى عملها على قرار رئيس الجمهورية رقم 27 لعام 1990 بتحديد نقاط الأساس المصرية لقياس البحر الإقليمى والمنطقة الاقتصادية الخالصة لجمهورية مصر العربية والذى تم إخطار الأممالمتحدة به فى 2 مايو 1990 وكذلك على الخطابات المتبادلة بين البلدين خلال نفس العام، بالإضافة إلى المرسوم الملكى الصادر عام 2010 بتحديد نقاط الأساس فى ذات الشأن للمملكة العربية السعودية». وقد أسفر الرسم الفنى لخط الحدود البحرية، بناء على المرسوم الملكى والقرار الجمهورى المشار إليهما، عن وقوع جزيرتَى صنافير وتيران داخل المياه الإقليمية للمملكة العربية السعودية. هذا هو مضمون البنود التى حوتها اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، وهو ما سيتم طرحه على البرلمان المصرى خلال الأيام المقبلة بكل نزاهة وشفافية، ومن ثم يتوجب على البرلمان فى هذه الحالة أن يقوم بإذاعة جلسات المناقشة على الهواء مباشرة سواء تلك المتعلقة بجلسات الاستماع أو المتعلقة بالمناقشة العامة للاتفاقية.