فى محاولة يائسة لكاتب مغمور لتشويه صورة الأزهر الشريف الناصعة، وإدخال جريدة الوطن الموقّرة فى معارك وهمية لتفقد مصداقيتها التى عُرفت بها لدى القراء وهذه سمة ملازمة لها.. غير أن أحد كتّابها فاجأ القراء بمقالين أحدهما نشر يوم 13-4-2016م، والثانى 20-4-2016م يحملان عنواناً غريباً اسمه «فساد الأزهر» وفيهما يتجنى الكاتب على الأزهر، ليقول للناس: عليكم أن تسموه الأزهر الفاسد! هكذا بكل جرأة، وما كان من أدلة الكاتب فى المقال الأول سوى أن رئيس جامعة الأزهر كان مزوراً فى عمره الدراسى -حسب تعبيره- ومع ذلك عيّنه فضيلة الإمام رئيساً، ثم قَبل استقالته بعد بيان تزويره دون أن يحقق فى الأمر، ثم بقصة طالب الصيدلة الذى ادعى أنه نال جوائز عالمية وهمية. وفى المقال الثانى: اتهم الأزهر بفساد مالى وإدارى وفكرى وأنه يتلقى أموالاً من الآخرين ويتسول لبناء قناة، ثم انتهى بتحريض السيد الرئيس، كعادة المعوقين فكرياً، ليرفع الثقة من الأزهر، إذ الأزهر عنده لا يصلح لتجديد الخطاب الدينى ويجب على الرئيس أن يُعرض عنه لكثره ما فيه من فساد فكرى ومنهجى. هكذا انتهى الكاتب الهمام إلى النتيجة الخيالية ليقدمها للرأى العام.. ولنا هنا وقفات: أولاً: أقر فى البداية أنى لست متحدثاً بلسان الأزهر ولا مدافعاً عنه، فتاريخ الأزهر يشهد بشرف الأزهر وشيوخه وطلابه، وفى الأزهر مَن هو أقدر على الرد على هذه الخزعبلات، فكل أزهرى لديه لسان ابن حزم ولكن لا يستعمله إلا فى الحق.. وباعتبارى أحد أبناء الأزهر الذين يعرفون شرفه لا فساده ومكانة رسالته كان هذا الرد وهو رد على كل من يتجرأ على معهدنا وليس الكاتب وحده، فهو نكرة بالنسبة لنا. ثانياً: إن الكاتب ادعى «فساد الأزهر إدارياً ومالياً وفكرياً» وإن كان الذى يهمنا هنا هو الاتهام الموجّه تجاه المنهج والفكر، إلا أننا نوافقه فى إصلاح هذا الفساد الإدارى والمالى إن كان يملك دليلاً واحداً على ذلك، فلا أحد يوافق على الفساد أياً كان أصحابه، ومسألة استقالة رئيس الجامعة نراها محسومة، فالرجل فى اللحظة التى شعر فيها بعدم أحقيته فى رئاسة الجامعة تقدم من نفسه باستقالته احتراماً للأزهر وتاريخه، والأمر بيد القضاء الآن.. أما وأن شيخ الأزهر كان يعلم قبل القضاء بذلك، ومع هذا وافق على تعيين سيادته رئيساً للجامعة فهذا هو الإفك المبين، فشيخ الأزهر أكبر من ذلك، ونزاهة فضيلته لا يختلف عليها اثنان، فلصالح مَن نشر هذا وانتسابه للإمام؟! أما طالب الصيدلة فإن الذى اكتشف مدّعاه هو الأزهر نفسه، لا غيره، فقد استُدعى -كما أعلن الأزهر- وسئل عدة أسئلة للتحقق من صحة الأمر حسب ما نشرت عنه الصحف فتبين تزويره، وأن وراءه مافيا من المخططين لكى ينالوا من هذا المعهد العريق فى شخص هذا الطالب، غير أن الرياح أتت بما لم تشته السفن، فأعلن الأزهر أن الطالب غير أمين، وأحيل للتحقيق، ومات المخططون بغيظهم فى حينها. ثالثاً: أما الفساد المالى والذى قال عنه الصحفى: «يوجب على الدولة وأجهزتها الرقابية تدخلاً فورياً لوقف التدهور والفساد الذى ضرب تلك المؤسسة، فباتت تُدار بمعزل عن القانون، فضلاً عن الدولة، ثم اختلق قصة مضمونها أن أحد رجال المشيخة بحضور الإمام الأكبر طلب من الملك سلمان إنشاء قناة، وأن هناك أموالاً تتدفق... ولا يعلم بها الرئيس».. إلخ. فهذا تشهير مبين يوقع كاتبه تحت طائلة القانون إذا لم يكن معه الدليل القاطع، ولو معه أثارة من دليل واحد كان عليه أن يقدمه للرقابة قبل النشر، وبعد تأكد الرقابة من صحته يمكن للكاتب بكل فخر أن يكتب مقاله هذا، ونحن نشد على يديه، أما وأنه لم يفعل سوى تسطير الاتهام بقلمه الباهت، فلا بد من تطبيق القانون. فنحن فى دولة مؤسسات، ولسنا فى بلاد يقوم حُكمها على الأساطير وقصص ألف ليلة وليلة. فالأزهر لا يتسول، ولا يطلب مساعدات من أحد، إنما الآخرون هم الذين يطلبون مساعدته فكرياً وعلمياً، ولو كان الأزهر كذلك لما رأينا شيخه يتبرع بالجوائز المليونية التى قدمت له -والتى استحقها بجهده ومشروعاته العلمية- للمشروعات العلمية فى الأزهر، ولا يعتقد أى مواطن فاهم أن الدولة وأجهزتها الرقابية ليست على علم بكل صغيرة وكبيرة بما يدور فيه من أبنية وترميمات، بل إن الإمام الأكبر فى أكثر من مناسبة يشترط أن الدولة المتبرعة تقوم بالإشراف والتنفيذ للمشروعات بنفسها، وبتنسيق مع الأجهزة المعنية. فكيف يقال إن الأموال تدخل للأزهر دون علم الدولة؟! أما مبنى «قناة الأزهر» فقد تبرع به الملك عبدالله قبل وفاته، وأُسند لشركة منفذة، فكيف يقال إن هناك من طلب من الملك سلمان إقامة قناة فضائية للأزهر، مع أن مبناها جار إقامته بالفعل؟ وما الغرض من وراء نشر هذه الترهات سوى بلبلة الأفكار وتحريض الرأى العام على مؤسسة عريقة يأتى إليها الملوك والرؤساء والأمراء، ويولّى طُلاب العلم وجوههم شطر محرابها العلمى من كل أنحاء العالم، فبأى عقل أيها المزيفون تفكرون؟! أما أن المؤسسة باتت تدار بمعزل عن القانون: فهذا يقوله القائمون على تطبيق القانون فى الدولة فهم يعرفون من يطبقه ومن لا يطبقه، وليس كاتباً عُرف عنه أنه عُزل أو استقال من صحيفتين والآن بات عاطلاً لا عمل له، ويبدو أن هذا الفراغ والبحث عن العمل هما اللذان دفعاه ليتجنى على الأزهر، ويتهمه بالفساد لكى يجد من يفتح له الأبواب، ويحتضنه ممن يتحاملون على الأزهر، وما أكثرهم فى هذه الأيام، فمثله: يريد أن يشتهر بأى شىء يُظهره حتى ولو كان تلفيقاً.. «تماماً كمثل الرجل الذى لم يجد لنفسه شهرة بين الناس فبَال فى بئر زمزم فصفعه الخلائق ورددوا اسمه باللعنات، ففرح لذلك فرحاً عظيماً، وصار لفعلته الشنيعة تاريخ يذكره به المستهزئون دوماً». بقيت نقطة أخيرة خطيرة ومهمة وهى أن الكاتب لم ينس أن يتهم الأزهر بالفساد الفكرى، وأن يحرض الرئيس «بأن يرفع ثقته عن الأزهر وأن يسحب منه ملف تجديد الخطاب الدينى فهو ليس أهلاً له». وهذه هى الأسطوانة المشروخة التى يتغنى بها أصحاب العاهات الفكرية كل يوم، ويلهثون وراء سحب الثقة من الأزهر، ويكيلون له الاتهامات لسبب بسيط وهو أن الأزهر يقف بالمرصاد ضد أفكار هؤلاء الفاسدة، ولو غاب الأزهر لقلبوا الموازين أكثر، فهم يجترئون على الثوابت بدون وعى، ويبدو أن كاتبنا ضمن هذه القافلة فقد كتب على صفحته الشخصية منذ أيام: «لليوم التالى على التوالى أبحث عن الله فى مكة فلا أجده».. فهل هذا هو أدب الحديث عن الله تعالى القائل سبحانه: «وهو معكم أينما كنتم» والقائل عنه موسى عليه السلام: «إن معى ربى سيهدين»، والقائل عنه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مطمئناً صاحبه فى الغار «لا تحزن إن الله معنا»؟ هل أصحاب هذا الخطاب المشكك هم من يستحقون إسناد تجديد الخطاب الدينى إليهم، وهل هؤلاء بأساليبهم الغاشمة، ولغتهم الهادمة هم المصلحون لأفكار العباد والبلاد؟!