أشفقت على الأستاذ الخرباوى مرتين: أولاهما وهو على الهواء مع الأخ عميد كلية الدراسات العليا وهو يعترض على الأزهر ومناهجه، وينصّب نفسه منظّراً فيها. وقد تبيّن أنّه على جهل تام بما يقول، ولا يعرف أسماء مقرّرات المناهج التى جاء ليحكم عليها، ولم يكن مصدره فيما يكتب عن الأزهر من نقد سوى أحد الإعلاميين، وخرج سيادته من الحلقة ونحن نشعر بالبلل الذى أصابه وهو لا يدرى، ودعوْنا له بالشفاء. وأشفقت عليه فى المرة الثانية بعد أن قرأت مقاله فى جريدة «الوطن» الغراء بتاريخ الجمعة 16/1/2015م بعنوان: «وثيقة لله يا مولانا»، إذ رأيناه فى المقال فاقداً للاتزان الفكرى تماماً وتعصبه وتهديده واضحين، إذ قال: «لست فى معركة مع الأزهر، وإن أردت أن أدخل فى معركة سأدخلها وأنا أمتلك أدواتى الفكرية التى أستطيع بها أن أخوض غمار المعارك، ولكننى فى الحقيقة كنت أسعى فقط إلى تقديم النصيحة للأزهر...»، ثم يقول: «الأزهر ليس مقدساً، ولم يأت ذكره فى القرآن والسّنّة.. . ويبدو أن شيخه يخاف من النقد ويجزع!!». ثم يتناول مداخلة «الفقير» معه على قناة الحياة قائلاً: «وكانت الطامة أن تدخّل فى مكالمة تليفونية شيخ أزهرى - يقصدنى- من رجال المشيخة الكبار -وأنا لست كذلك- ليتطاول فى حقى... ولمجرد أننى أبدى لهم النصيحة، إلا أننى لا ألتفت لتلك السفاسف.. فقط أنا أتحدّى الأزهر أن يخرج للأمة وثيقة». ■ وللرد أقول: أولاً: نحن نقدّر فقط وصية كلّ مخلص فاهم، واعٍ يقدر الأزهر ورسالته، ولسنا من أنصار سياسة الكبت وتكميم الأفواه والأقلام وتاريخ الأزهر يشهد بذلك، كما نعلم أن الأزهر لا يجب أن يقدّس، إنما يجب أن يقدّر، وقد قدّره العالم كلّه وأرسل أبناءه لينهلوا من ماء علمه العذب، ويتزينوا بمنهجه القائم على الوسطية، والتى تظهر فى مناهجه التى تدرّس، ويجهلها الجاهلون عندنا -للأسف- وهى تحفظ عقول الشباب من الاختطاف إلى عالم مجهول. ثانياً: إن من يتصدّر النصيحة لمؤسسة عالمية كمؤسسة الأزهر، ويدّعى أنه يملك أدوات فكريةً للدخول فى معركة معها، يناقض نفسه، ويفضح فكره؛ إذ كيف تنصح وأنت تمسك بمعدات لتقاتل من تنصحه؟! إذ الناصح لا بدّ أن يكون حكيماً، عالماً، ليّن الجانب، أوتى حسن الخطاب... وسيادة المحامى غابت عنه فى هذا المقال هذه الأدوات تماماً؛ إذ أعلن التحديات للأزهر، وأعلن أن شيخ الأزهر يخاف من النقد، بل من قبل فى مقال له فى 3/8/2014 فى «الوطن» ادّعى أن «شيخ الأزهر يخاف من السلفيين، وأن الحوينى (شخط فيه) فانتفض واستجاب له»، وفى مقاله هذا يدعى أيضاً أن الأزهر اغتصبه السلفيون، والإخوان... إلى غير ذلك من أدوات الخطاب التى يجب أن يترقّى عنها من يكتب عن قامة علمية ودينية كبيرة. ثالثاً: تعالوا نسأل الأستاذ عن أدواته الفكرية التى يملكها ليدخل فى معارك مع الأزهر؟ وهو يجهل أن الأزهر لا يريد أن يدخل فى معارك وهمية يدبرها من يريدون إيقاف سفينته، كما يريد أن يحافظ على الأمن الفكرى والعقدى للبلاد فلا يبالى بالمهرّجين، مع العلم أن علماءه عندهم «سيف الحجاج، ولسان ابن حزم»، ومع ذلك يصفحون الصفح الجميل. ولقد بحثت بحق عن ترجمة وافية لأفكار وعلوم وفنون الكاتب الذى يفرد عضلاته الكلامية، ويهدّد بأدواته الفكرية فى مقاله هذا ضد الأزهر وشيخه وعلمائه ومناهجه، فلم أظفر بشىء فكرى مفيد، ولم أعثر له إلا على معارك وهمية مع قوم قد كان سيادته جزءاً منهم، ثم لمّا لم تتحقّق مآربه عندهم أفشى أسرارهم ثم يفتعل الآن معارك مع الكبار، وحتى لا أظلمه فتّشت كرة أخرى عن أدواته الفكرية والعلمية، فخرجت دون طائل، فصار حالى: كالبصر ينقلب خاسئاً وهو حسير. رابعاً: الوثيقة التى يسأل عنها الأستاذ فى مقاله هى عن مصطلحات: التكفير والجهاد والخلافة، والتعايش مع أصحاب الأديان... إلخ، ويدّعى أن الأزهر غائب عن هذا! فلقد ذكّرناه فى مداخلتنا بمؤتمر الأزهر الذى أقامه يومى 3 و4 ديسمبر الماضى، ونصحناه أن يستأجر تاكسى ليذهب إلى مشيخة الأزهر ليأخذ صورةً من بيانه، ويطّلع على الجهد فى هذا الشأن، ونترك له الفرصة الكافية لقراءة ذلك طالما أنّه لم يكلف نفسه بحضور المؤتمر، ولم يعرف ما يدور فى الأزهر ثم يمسك بقلمه، وهو بهذه السطحية المقعرة عن جهد الأزهر ليتسول: (وثيقة لله يا مولانا)، وكأن سيادته يعيش فى كوكب آخر، ولقد أردنا رفع جهله عن هذا الأمر فى مداخلتنا الفضائية فسمى هذا «سفاسف»! مع أن مطلبه فى المقال: معرفة هذه السفاسف، حسب أسلوبه! وعلى كل حال نتمنى من الأستاذ التبيّن فيما يدّعيه، وليعلم أن الأزهر يعى رسالته تماماً، ويطلب من الآخرين أن يمدّوا أيديهم للحفاظ على الأمن الفكرى للوطن معاً، ولن يسمح بخطف عقول شبابنا بأقلام تريد إسقاط هيبته، وتضليل السّذّج بالمغالطات الفكرية والعقدية، ومن يصرّ على رأيه فى نشر ذلك لحاجة، وهوى فى نفسه بعثنا عليه جنوداً من حجج الحق والواقع، نتعقب بها فلول باطله؛ «فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة».