لست فى معركة مع الأزهر، وإن أردت أن أدخل فى معركة سأدخلها، وأنا أمتلك أدواتى الفكرية التى أستطيع بها أن أخوض غمار المعارك، ولكننى فى الحقيقة كنت أسعى فقط إلى تقديم النصيحة للأزهر، فهو مؤسسة بشرية، تضم بشراً مثلنا، منهم من يحسن التفكير، ومنهم من يسىء الفهم، أخرج لنا الأزهر أئمة فى العلم، وأخرج لنا أيضاً عمائم لا علاقة لها بالعلم، وهذا من الأشياء الطبيعية؛ لأن هذه المؤسسة ليست مقدسة، وليست منزلة من قبَل الله تعالى، ولم يرد النص عليها فى القرآن الكريم أو الحديث الشريف، وأفضل منها قال منذ مئات السنين: «أصابت امرأة وأخطأ عمر»، فلم يستنكف الاعتراف بالخطأ، ولم يصم أذنيه عن سماع النصيحة، وليس معنى أن الأزهر مؤسسة علمية متخصصة فى علوم الدين أن تكون ديناً، ولكن يبدو أن شيخ الأزهر، مع قدره فى العلم ومكانته فى المشيخة، رجلٌ يخاف من النقد، ويجزع من النصيحة، لذلك أقول له يا أيها الشيخ الجليل أنا ما جلست فى موضع الناصحين إلا لأننى وجدت دينى يُساء إليه من جمهرة غالبة من أتباعه، ومؤسسة الأزهر غائبة وكأنها فى دنيا أخرى! قام السلفيون المتطرفون باختراق الأزهر، ومشيخة الأزهر لا ترى، قام الإخوان باختراق الأزهر حتى إن منهم من أصبح مستشاراً لشيخ الأزهر ومنهم من أصبح رئيس تحرير مجلتها، والمشيخة لا تجد فى ذلك غضاضة. وفى أحد البرامج التليفزيونية قال لى أستاذ أزهرى: إن الأزهر ليس مخترقاً لا من السلفيين ولا من الإخوان، فقلت له: ولكن أليس عبدالرحمن البر إخوانياً وكان عميداً لكلية أصول الدين؟ قال: نعم، ولكنه كان منتخباً، فقلت له: ومن الذى انتخبه؟ قال إخوان مثله لأنهم فى هذه الفترة اخترقوا الأزهر!!. فقلتُ: ومحمد عمارة أليس إخوانياً؟ فقال: قال شيخ الأزهر إنه ليس إخوانياً، فقلت له: ولكنه فى فترة حكم الإخوان استكتب الإخوان كلهم فى مجلة الأزهر، فقال: لأنهم فى هذه الفترة اخترقوا الأزهر!!. سبحان الله، ينفى الرجل ثم يثبت فى عبارة واحدة! لم يخترقوا الأزهر ولكنهم اخترقوه، والأزهر مال مع الإخوان لأنهم الحكام آنذاك، ثم تركهم بعد أن تركوا الحكم، ياللكارثة، أتتهم الأزهر يا أستاذ الأزهر أنه يتأثر سياسياً بالحكام؟! وأنه بذلك مؤسسة مسيسة؟! يا مولانا شيخ الأزهر ينبغى أن تحسن اختيار سفيرك وممثلك، وكانت الطامة أن تدخل فى مكالمة تليفونية شيخ أزهرى من رجال المشيخة الكبار ليتطاول فى حقى دونما سبب ولمجرد أننى أبدى لهم النصيحة، إلا أننى لا ألتفت لتلك السفاسف، فقط أنا أتحدى الأزهر أن يخرج للأمة وثيقة جامعة مانعة يبدى فيها رأيه الدينى فى كل المواضيع الخلافية التى أثارت جدلاً ومعارك، وثيقة تصل لرجل الشارع العادى نعرف فيها رأى الأزهر فى كل من «الخلافة، التكفير وأحواله وآثاره، العلاقة مع أهل الكتاب وهل هم كفار، حد الردة، الجهاد والقتال فى الإسلام وأحواله، المرأة والأقباط فيما يتعلق برئاسة الدولة والعمل فى القضاء، الاختلاط بين الرجل والمرأة فى الجامعات وأماكن العمل، حرية التعبير والإبداع، حضور قداسات الأقباط فى كنائسهم لتهنئتهم بأعيادهم» وغير ذلك من المواضيع. وبمناسبة تهنئة الأقباط بأعيادهم سبق أن دخلت فى حوار مطول مع أحد علماء الأزهر، حيث كان قد أفتى بتحريم تهنئة الأقباط بأعيادهم، وقد نشر فتواه هذه فى عدة صحف ومواقع إلكترونية، ولأننى لم أفهم سبب التحريم! إذ الحلال بيّن والحرام بيّن، فقد راجعتُ ما تعلمته فى كتب الفقه عن الإباحة والحرام، فوجدت أن أول شىء يدرسونه لصغار طلاب العلم هو «الأصل فى الأشياء الإباحة، ولا حرام إلا ما ورد فيه نص صحيح صريح فى القرآن الكريم أو الحديث الشريف لا يحتمل تأويلاً». فأخذت أقلب أوراق الكتب وأضرب أخماساً فى أسداس، فأعيانى البحث، بحثت فى القرآن الكريم عن نص بتحريم هذه التهنئة فلم أعثر، تفرست السيرة النبوية فلم أجد، أبحرت فى الحديث الشريف فلم أرسَ على بر، وكان عجبى أن هناك من يقوم بالتشريع فى أمور الدين من دون الله!! وهذا لعمرى شىء عجيب. ولكن آفة التحريم قد أصبحت من الأمور التى عمَّ بها البلاء، وأصبح كل واحد يتجه للتحريم وفقاً لمزاجه الشخصى وهواه، أهمل هؤلاء ما تعلمناه من أنه ليس لإنسان، مهما علا شأنه، مباشرة حق التحريم من دون نص، وإلا أصبح مفترياً على الله، ومعتدياً على حقوقه، ألم يقل الله سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم «وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ» وألم يقل أيضاً «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» وقوله أيضاً: «أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ» أليس هذا هو الفقه؟! ورغم ذلك كله وقف عالم من الأزهر تؤيده ثلة أخرى من العلماء يقولون بالتحريم قياساً، وليت قياسه صحيح، بل إنه فاسد، فهو يحرم التهنئة لأن المُهنئ يتشبه بالمسيحيين فى عبادتهم، ونحن لا نؤمن بهذه العبادة! عظيم يا مولانا، ما علاقة التشبه بالتهنئة؟! أين وجه الشبه بينهما؟! الله أكبر على العلم والفقه والدراية، الذى يتشبه يا رجل هو الذى يمارس ذات العبادة، ويقلدها شبراً بشبر، والذى يهنئ هو ذلك الرجل المسلم الطيب الذى يطرق باب جاره المسيحى الطيب ويقول له: كل عام وأنتم بخير وسعادة بمناسبة عيدكم، تماماً كما يفعل المسيحى الطيب الذى يطرق بابك أيها الشيخ فى عيد الفطر أو عيد الأضحى ويقول لك كل عام وأنت بخير يا عم الشيخ، فهل هو بذلك قد تشبه بك، وصلى معك العيد، ثم ذبح «الخروف» يا مولانا؟! وحتى إذا جاء لك الأخ المسيحى ووقف ينتظرك فى المسجد حتى تنتهى من صلاتك فيسارع إلى تهنئتك فهل هو بذلك يكون قد تشبه بك؟! أخذت أبحث عن أسباب أخرى للتحريم فوجدت هيئة دينية ضمت علماء من الأزهر، على علماء من السلفيين، على بعض الإخوان، أطلقوا عليها «الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح» تصدر فتوى بالتحريم القاطع، لماذا يا هيئة؟ قالت: «الأصل فى الأعياد الدينية أنها من خصوصيات كل ملَّةٍ ونحلةٍ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن لكل قوم عيداً) متفق عليه، ولذلك فلا يحل لنا مشاركتهم ولا تهنئتهم فى هذه المناسبات الدينية» التهنئة حرام، لماذا؟ قياساً على أن لكل قوم عيداً! هل هذا نص يُحرم يا هيئة؟ أين النص؟! تقول الهيئة لى ولك: انتظر، انتظرْنا، خذ هذه، هات، تهنئة غير المسلمين بأعيادهم الدينية حرام قطعاً ويقيناً، لماذا؟ لأن فيها إقراراً بشعائرهم التى لا نؤمن بها، يا سلاااام! أنتِ يا هيئة تُحَرِّمين بالقياس إذن، والقياس من منبته فاسد، إذ لا يوجد عندك نص، ولكن ظن، وقع فى ظنك المسكين أننى عندما أبادر أخى المواطن المسيحى بالتهنئة فإننى أكون قد آمنت بعبادته، هذا شىء عظيم، وبذلك يكون كل المسيحيين الذين هنأونا بأعيادنا قد أسلموا، ويصبح كل من هنأ المسيحيين قد تنصر، وبالتالى سأتقدم بطلب للأزهر الشريف بإلغاء كل ما يتعلق بتعريف الإيمان، إذ إن خطابكم الدينى الجديد تكفل بالأمر. يا شيخ الأزهر اعلم أننى أحبك وأقدرك وأحترم علمك، ولكننى أنتظرك تقود ثورة دينية، كما طلب الرئيس منكم ذلك، فلا تسمع لكلام الفريق الذى يحيط بك، وأطلب منك أن تخرج للأمة وثيقة، ولا يحدثنى أحد عن كتب أو دراسات أخرجها الأزهر فى مؤتمرات علمية فهذه لن يقرأها العامة، أنا أريد وثيقة لكل الأمة وليس للمتخصصين، وثيقة لله يا مولانا.