الأزهر الشريف قلعة من قلاع الوطنية المصرية، سجل فى جبين الدنيا أروع الأمثلة فى الدفاع عن الوطن، والذب عن حياض الشريعة الإسلامية، والحفاظ على هوية الأمة، اقتضت حكمة الله – عز وجل- أن تهوى إليه العقول الباحثة عن الوسطية السمحة والشريعة الغراء من كل حدب وصوب، استطاع بمنهجه الربانى أن يشكل وعى العالم الإسلامي، واستطاع رجاله – بفضل الله – أن يحافظوا على الثقافة الإسلامية أمام الثقافات المختلفة على مر الزمان، انفتح على العالم بأسره فأرسل البعثات العلمية إلى شتى أنحاء المعمورة، حاور وناقش المتطرفين وفند أدلتهم، وجادل أهل الكتاب بالتى هى أحسن، دعا رجاله إلى الله عز وجل على بصيرة من الله واقتداء بهدى نبيه (صلى الله عليه وسلم)، لم يخلط الأوراق أبدًا، ولم يتاجر يومًا بدينه، ولم يبع رجاله أخراهم بدنياهم، والتاريخ خير شاهد على مواقف رجال الأزهر. اعتمد رجاله فى دعوتهم على المنهج الربانى الذى حدد وسائل الدعوة إلى الله، حيث قال تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) فربى فى معاهده وكلياته أعظم قادة هذا العالم الذين رجعوا إلى بلادهم فاتحين لها باسم الله، ناشرين فى ربوعها الأمن والأمان. واجه التطرف الفكري، ومظاهر الغلو فى الدين، كما جابه الانحلال الخلقى ومظاهر الخلاعة والمجون فى المجتمع، رفض الانصياع إلى دعوات التكفير التى نادى بها الجهلاء والمغالون، انحاز إلى إرادة الشعب المصرى فى السعى لتحقيق مطالبه. جمع الفرقاء فى أكثر من مرة على كلمة سواء، وأخرج الوثائق التى تضمن سلامة المجتمع وأمنه واستقراره، حفظ للمرأة مكانتها فى المجتمع، عقد الندوات والمؤتمرات ليوحد كلمة الأمة ويجمع شملها، أعلن حالة الطوارئ فى صفوف وعاظه فى شتى أنحاء المعمورة ليوقف مد التطرف فى المدارس والمساجد والجامعات، ونجح فى ذلك نجاحًا أبهر الجميع. أدى دوره كمؤسسة وطنية على أكمل وجه، واصل رجاله ليلهم بنهارهم فى سبيل إخماد نار الفتنة، وإخراج البلاد والعباد من نفق مظلم لا باعث لهم على ذلك إلا ابتغاء مرضاة الله والوفاء لدينه، تواصل مع كل مؤسسات الدولة وتعاون معها من أجل النهوض بهذا الوطن. ولهذا كله ضرائب لابد أن يدفعها الأزهر على مواقفه هذه التى حطمت أطماع الطامعين، ووأدت حقد الحاقدين وكانت ترياقًا لوساوس المخربين، هذه المواقف التى أعرب الأزهر من خلالها عن معدنه الأصيل وعن جوهر علماءه الربانيين، وعن طبيعة منهجه الرباني، وعن قدرته الفذة على الجمع بين الأصالة والمعاصرة. وما نراه اليوم من هجمات إعلامية على الأزهر ورجاله ما هى إلا جزء من هذه الضرائب يعرب الحاقدون فيها عن مدى حقدهم على هذه المؤسسة ورجالها، كما يعربون عن إفلاسهم المعرفى بتاريخ ومواقف علمائه، وجدير بنا أن نقول لهم ناصحين مشفقين عليهم: يا ناطحًا جبلًا ليوهنه أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل. ويجب على الجميع أن يعرف أن الأزهر عبر تاريخه الطويل خاض معارك أدبية وثقافية، وعقدية، وأخلاقية، خرج منها مرفوع الرأس موفور الكرامة أثبت خلالها للعالم كله أنه راسخ القدم عالى الكعب، سامى الهمة فلن يضيره اليوم فحيح الأفاعي. وسيظل الشلال هادرًا والتيار جارفًا والخطر قائمًا، وسيظل الأزهر برجاله ودعاته ومعاهده وجامعته سدًّا منيعًا أمام كل دعوات التطرف الفكرى والتكفيري، والانحلال الخلقى ومسخ الهوية الإسلامية، وسيذهب كل مهاجم للأزهر لدعوته مجترئًا على رجاله إلى مذبلة التاريخ، حيث يقيم أسلافهم، وسيمكث الأزهر فى الأرض ينفع الله به الناس وصدق الله إذ يقول (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض كذلك يضرب الله الأمثال).
أمين عام للجنة العليا للدعوة الإسلامية لمزيد من مقالات الشيخ محمد زكى رزق