«القمح مش زى الدهب.. القمح زى الفلاحين.. عيدان نحيلة بياكل فى طين» بهذه الكلمات «لخص» الشاعر الكبير صلاح جاهين حال الفلاحين المطحونين. و«الوطن» اتخذت من فلاحى الدقهلية نموذجاً لمعاناة المزارعين على مدار عقود طويلة وما زالت مستمرة. وتوقعوا أن تأتى رياح ثورة 25 يناير بما يشتهون من «الستر»، أو على الأقل أن يتغير حالهم -قليلا- إلى الأفضل، فيضمنون دخلاً ثابتاً يعيشون به هم وأسرهم، بدلاً من سؤال «اللئام» فى بنوك القرية، أو الوقوع فريسة الفاسدين فى الجمعيات الزراعية. حالة التهميش التى يعانيها فلاحو الدقهلية، عاشتها «الوطن» معهم، فى محافظة تعد أكبر المحافظات الزراعية فى مصر، حيث تشم فيها رائحة الفلاح المصرى الأصيل، وفيها أيضاًً تشعر أن الحياة تبدأ على أعتاب المدن فقط. تقول حنان محمد رضوان (35 سنة)، زوجة مزارع تعمل أيضاًً بالزراعة، «عندى ثلاثة أبناء، وزوجى حاصل على دبلوم متوسط من 25 سنة ولم يتوظف، سافر لفترة للعمل بالخارج ثم عاد، وأنا أكافح معه حتى نستطيع أن نعيش، فهو لم (يتوظف) فى أيام مبارك ولا فى أيام مرسى سيتوظف، فأيام مبارك كانت (مطيّنة بطين)، ومرسى لم يعمل لنا أبيض ولا أسود، وسيظل حالنا نحن الفلاحين كما هو، محلك سر». وتضيف «زوجى قعد فى الغربة 5 سنين اشتريت فيهم 6 قراريط فى أراضى الإصلاح الزراعى، ونحن من يومنا (طافحين الكوتة) فى الشغل، فقد كنت أشتغل فى الأراضى وأعمل باليومية خلف البنايين حتى نجد ما نعيش به». وتشتكى «حنان» الغلاء فتقول «كنت من 4 سنوات أستأجر قيراط الأرض الزراعية بمبلغ 80 جنيهاً فى موسم البرسيم وأقل من ذلك، والآن القيراط إيجاره 150 جنيهاً، والسبب هو أن النفوس صعبة وضعيفة والأرض قليلة، وأنا أستأجر حالياً 44 قيراطا ًبمبلغ 7 آلاف جنيه فى الموسم ليكون علف بهايم فى الشتاء، ولما بعت العجل بعته بألف جنيه ولم يكمل إيجار الأرض، فأين الرحمة؟». وتؤكد «حنان» أن «كل حاجة زادت حتى كيلو العدس كان ب5 جنيه الآن ب9 جنيه»، مشيرة إلى أن الجمعية الزراعية ترفض أن تسلمها «الكيماوى» -أى السماد- للأرض التى أستأجرتها لأنها لا تمتلك أرضاً، وليست لديها حيازة زراعية فى الجمعية، وفى نفس الوقت تبيع لها الشيكارة ب125 جنيهاً، لافتة إلى أن سعرها فى السوق السوداء 150 جنيهاً، وأن صفيحة السولار أصبحت ب25 جنيهاً. أما فتحى معتمد يوسف (55 سنة) فيعمل فى زراعة النخيل، وهو يقول «المعيشة الآن تحت الصفر، السنة الماضية عملت 3 آلاف جنيه من عملى فى نقل النخل، السنة دى ولا مليم، الناس مفيش معاها فلوس، هما عاوزين نخل كتير، لكن مفيش معاهم فلوس والحالة نايمة، أنا خايف من بكرة، وأنا فى السن ده كان نفسى ومُنى عينى يكون عندى ولو نص فدان أزرعه أنا وعيالى». وأضاف «فتحى»، «أنا عاوز أشوف الأمن تانى، أنا رُحت لضابط النقطة فى قرية طهواى أشتكى له من اللصوص اللى سرقوا بقرتى فى عز الضهر، قال لى الضابط (بصراحة أنا قاعد على الكرسى هنا وخايف)، وقلت للضابط يوم الاستفتاء على الدستور (أنا بقرتى اتسرقت يا بيه، رد عليَّا هاقول لمحمد مرسى يجيب لك بقرة، ولا أقول لك اعمل مظاهرة)». ويشتكى «فتحى» من أسعار الكهرباء، ويقول «أدفع كل شهر 95 جنيه مع إنى أنا وأولادى ننام بعد نشرة أخبار الساعة 9، وقبل ما أنام أمسك مفاتيح الكهرباء كلها أغلقها، وهناك لمبة واحدة فى الشارع تنور البيت وتنور الشارع ولا يوجد عندى ميه شرب فى البيت، لأننا عايشين على ميه الطلمبة الحبشية، ومش ناوى أدخل الميه البلدية لأنى لا أقدر على تكاليفها، وربنا يهدى لنا محمد مرسى». أما عماد عيد عبدالحى (32 سنة)، فيقول «أنا اشتغلت جميع المهن ولا أمتلك أى شىء، وأعمل باليومية ووالدى يصعب على الكافر فصوابع إيديه مقطوعة ومفيش عندى أرض، وأنا أشتغل حالياً على خلاطة خرسانة، وكان ممكن أعمل بطلجى علشان أدخّل فلوس أيام الانتخابات لكنى رفضت، وعندى فيروس سى وتليف كبدى وحتى العلاج على نفقة الدولة اتلغى وعايش على المسكنات، وقرأت الدستور الجديد قال لازم تجيب (شهادة فقر) وهى من الصعب الحصول عليها، لأن وقتها هايقول لى أنت ممكن تشتغل». وأضاف «عماد» «واحد مثلى ليس له شغل ولا معاش سيضطر أن يسرق، لا بد أن تنظر الحكومة للغلابة والناس اللى مش موظفين، نعمل إيه عاوزين نعيش، ورغم الهم اللى إحنا فيه سمعت إنهم عاوزين يزودوا أسعار الكهرباء وعاوزين يحاسبونا على مياه الطلمبة الحبشية اللى دقيتها فى البيت». ومن جانبه، يقول نسيم البلاسى، نقيب الفلاحين بالمحافظة، «كل فئات المجتمع يزيد دخلها ما عدا الفلاح، والكل ينظر له على أنه السبب فى الغلاء مع أنه مطحون، فعندما تم رفع سعر الأرز فى بداية العام لم يتحسن حال الفلاح، فقد زاد سعر الكيماوى والسولار لرى الأرض وتكاليف الحصاد، وصرف الفلاح على الأرض أكثر مما تعطى له».