حتى فى أشد لحظات الخلاف السياسى بين جبهة الإنقاذ الوطنى ومرسى، لم يكن مطروحاً أن الجبهة تريد إسقاط مرسى، وحين سئلت فى أكثر من موضع وحوار، وعبر أكثر من تصريح، كانت واضحة بأن خلافها مع مرسى ليس معناه أنها تريد إسقاط أول رئيس مدنى منتخب. حتى وهى تشتم وتسب آناء الليل وأطراف النهار من اللجان الإلكترونية، حتى والإعلام دائماً فى قفص الاتهام ودائرة تصويب الجماعة ومناصريها وحلفائها، لم يتخذ أى من هؤلاء موقفاً واضحاً وصريحاً ومباشراً ينادى بإسقاط مرسى، ولذلك يدهشك أن تخرج الآن، والآن فقط، دعوات إسقاط النظام يوم 25 يناير الجارى. التظاهر السلمى مكفول للجميع، وسقف المطالب لم يعد موجوداً أصلاً، ولا يمكنك أن تستغرب من أى مطلب، لكن الاندهاش جاء من التوقيت، ومن الداعين لإسقاط مرسى. التوقيت جاء بعد أن هدأ كل شىء. صحيح تم تخييط الجرح على ما به من صديد، وما زال الخلاف مستعراً، لكن الموضوع مر. صحيح نحن نمر بمرارة لا حدود لها، وضحايا سنناضل من جديد لأجل محاسبة المتسبب فى قتلهم، لكن لا شىء يدعو الآن لأى إسقاط من أى نوع. لا قرار جديد مثلاً استفز الناس، ولا خطوة تصعيدية خارقة للقانون، ولا بطش حقيقى يصعب تجاهله أو تأجيل مواجهته؛ لذلك فالتوقيت غريب، لا سيما والقوى السياسية الآن، بما فيها جبهة الإنقاذ نفسها، تستعد لمواجهة «سياسية» من خلال انتخابات برلمانية ستكون شرسة بحق، لكن مع ذلك تسمع من يقول إن 25 يناير الجارى، الذى تصادف أن يكون يوم جمعة هذا العام، سيكون يوماً لإسقاط مرسى وجماعته (طب مش لما تسقطوا مبارك وجماعته الأول؟). التوقيت ما زال غريباً استغلالاً لذكرى 25 يناير، وبالتالى الحشد الكبير الذى سينزل احتفالاً بالثورة، أو استكمالاً لها، الثورة يا سيدى كانت ملكاً للجميع وليس لأحد حق احتكارها، أما فى هذه الحالة ذات المطلب الذى أراه -رغم كل الخلاف والاختلاف- عبثياً وكارثياً فى الوقت ذاته، فالنزول سيكون أشبه بمواجهات خطيرة ودامية بين رفاق الميدان بالأمس وخصوم السياسة اليوم، وبشكل واضح: هذه دعوة للصدام وبداية الحرب الأهلية. كلامى مش على هواك؟ مش «لادد» عليك؟ مش عاجبك؟ ماشى.. الكاتب ليس ترزياً يفصّل آراءه ومواقفه على مقاس قارئه، ويجب ألا يضع فى ذهنه أى حسابات اللهم إلا قول الحق بغض النظر عمّا قد يجلبه عليه من مشكلات وتخوين، ولهذا دعنى أقُلها بصراحة: بئست الثورة على مرسى وجماعته لو كان الداعون لها فى العلن أشخاصا مثل محمد أبوحامد وتوفيق عكاشة وغيرهما ممن نعرفهم ونعرف تاريخهم وتحولاتهم. بئست الثورة على مرسى وجماعته لو كانت من أجل إعادة شفيق من رحلة الحج والعمرة التى لم ينتهِ فيها من طواف إفاضته حتى الآن. بئست الثورة على مرسى وجماعته لو كانت صادرة عن أعداء حقيقيين للتيار الإسلامى من باب رفضه وإقصائه، وليس من باب الخلاف الفكرى والمذهبى فقط. صحيح أن التيار الإسلامى السياسى مراهق حقيقى وله أخطاؤه الكارثية، ويجب أن يراجع الإخوان والسلفيون أنفسهم لكن يجب ألا نقصيهم ونشيطنهم كما يذهب كثيرون. بئست الثورة على مرسى وجماعته تلك التى تحوِّل الفلول الحقيقيين، الذين قامت عليهم أشرف وأنبل ثورة فى تاريخ مصر، إلى قادة وزعماء معارضة يطمحون إلى العودة من جديد. بئست الثورة التى بدأ البعض يحشد لها ويردد أن «خالتك سلمية ماتت.. انسوا الثورة اللى فاتت». أنا ضد مرسى وجماعته، وقد أثور عليه يوماً ما مع غيرى، لكن لن أثور ضده الآن. ليس لإعطائه فرصة؛ فأنا فقدت فيه الأمل ما دام متشبثا بإخوانه، وليس لأننى «اتأخونت» و«خلية إخوانية نائمة» كما قد يتهمنى البعض، لكن لأن مصر الآن لا تتحمل ثورة أخرى. لما نبقى نخلص الأولانية الأول، فعندنا من لم نحاسبه حتى الآن من قتلة.. وعسكر هم السبب الحقيقى فيما نحن فيه الآن.