ظلت شوارع الإسكندرية عامرة بالحياة والحركة، إلى أن ضربت الأزمات العمالية المصانع الحكومية والشركات المساهمة خلال الآونة الأخيرة، وتسببت فى انهيار تلك المنشآت الصناعية التى طالما ملأت محيطها ضجيجاً، وكانت مصدراً للحياة ومعلماً من معالم المدينة الصناعية التى تقبع على ساحل البحر المتوسط. اعتاد الآلاف من العمال لسنوات طويلة على التوجه إلى مصانعهم فى ساعات مبكرة، وسط ضجيج الشاحنات الخارجة من المخازن محملة بكميات هائلة من البضائع، أنعشت حركة البيع والشراء، ألفوا صوت الماكينات وأصبح جزءاً من حياتهم، إلا أن ذلك لم يدُم طويلاً، حيث اختفت الحركة والزحام أمام المصانع، وأصيبت الماكينات بالخرس، بعد توقفها عن الإنتاج، لم يعد طموح العامل زيادة ساعات عمله لزيادة الأرباح، أصابه الترهل والسكون وبات حلمه الوحيد فى الحصول على أدنى مستحقاته، إثر تحول المصانع إلى خرابات ومدن أشباح تنعق فيها الغربان تعلو واجهتها لافتة «للبيع فى مزاد علنى». «شركات الزيوت المستخلصة، الشرقية للدخان، الأهلية للغزل والمطاحن، شركة مساهمة البحيرة، والشركة العربية للغزل والنسيج (بوليفار)»، هذه هى الشركات العملاقة التى كانت معلماً من معالم المحافظة وتحولت فى أيام إلى مبانٍ خربة، حيث واجهت شركة «بوليفار» تسريح 2000 عامل وعرض 25% من أرض الشركة للبيع فى المزاد العلنى، كما تواجه شركة مساهمة البحيرة أزمات منذ أكثر من 4 سنوات، نتيجة عدم وجود موارد لتغطية رواتب العاملين، إضافة إلى توقفها عن العمل، ولم يختلف واقعها عن واقع شركتى الزيوت المستخلصة والشرقية للدخان. أحمد أمين، أحد عمال شركة «بوليفار للغزل والنسيج»، أكد أنه تقدم باستقالة إجبارية، بعد تخيير الشركة العاملين ما بين الانتظار دون راتب، أو المعاش المبكر مقابل مكافأة: «حياتنا كلها راحت فى لمح البصر، والدولة بانهيار قلاع صناعية تساعد اقتصاد البلد»، قالها وهو يتأمل أروقة الشركة التى أمضى بها معظم أوقات حياته، وهى خالية من العمال، يضرب الصمت أرجاءها. وأضاف «أمين» أن الشركة عرضت الأرض للبيع فى المزاد العلنى، واصفاً تلك الخطوة بأنها نذير شؤم يؤكد انهيار الصناعة المصرية الوطنية. فيما قال خالد طوسون، أحد العمال: «طريق إسكندرية مطروح الدائرى، كان لى بمثابة طريق العمل وطريق الأمل، حتى أصبح طريق المرار والأشباح، بعد إغلاق الشركات إثر انهيارها، بسبب سياسة الدولة التى ساهمت فى زيادة الأعباء على الشركات والعاملين بها». وأضاف أن العامل ارتبط بالماكينة التى يعمل عليها وكأنها أحد أطفاله، لافتاً إلى أن الحكومة لم تساعد القطاع العام فى الخروج من كبوته بعد سنوات من الفساد وتركته فريسة للسوق الذى لا يقبل منافسة الضعفاء. يذكر أن 2000 عامل من عمال شركة العربية للغزل والنسيج (بوليفار) بالإسكندرية، تقدموا باستقالتهم إلى مجلس الإدارة، بعد إعلان الشركة بيع 25% من أرض الشركة، وفتح باب المعاش المبكر، إما البقاء فى الشركة دون مرتبات، نظراً لعدم وجود موارد كافية لتغطية رواتب العاملين، فيما تشهد شركة مساهمة البحيرة والزيوت المستخلصة مئات من الاحتجاجات العمالية، نتيجة تأخر الرواتب، والتهديد بالإغلاق وتسريح العمالة.