طالعتنا الصحف بأن مجلس الوزراء الحالى بقيادة الدكتور هشام قنديل يدرس مشروع قانون فحواه إلزام شاغلى المناصب العامة بالعمل الحكومى ب«الصمت» لمدة ثلاث سنوات بعد تركهم للوظيفة الحكومية، وذلك بحجة منع تضارب المصالح الشخصية مع المصالح العامة، ويقترح واضعو المشروع الجديد للقانون تولى «المفوضية الوطنية لمحاربة الفساد» تطبيقه بعد إقراره، للحفاظ على سرية المعلومات التى تقتضيها متطلبات الوظيفة، ولعدم تعارض المصالح الشخصية لشاغلى تلك الوظائف مع المصلحة العامة، وينص مشروع القانون الجديد على ضرورة الحصول على إذن سابق من هيئة الرقابة الإدارية لأى من شاغلى هذه المناصب، ومن المتوقع أن يكون هذا المشروع ضمن أولويات الأجندة التشريعية الجديدة المطروحة على مجلس الشورى، باعتباره السلطة التشريعية الآن. معنى ذلك أننا بصدد سلسلة من التشريعات التى تحجب المعلومات وتحول دون توفير حق المواطن فى المعرفة، وقد يكون ذلك إحدى الثمار المتوقعة للدستور المعيب. ويعبر هذا القانون -المزمع طرحه على مجلس الشورى - عن تعارض فاضح مع أول مطالب ثورة 25 يناير، بشأن الحرية التى يمكن أن تتحقق من خلال تمكين المواطن من الاطلاع على المعلومات والوثائق الحكومية باعتبار الشعب مصدر السلطات. وطالما نادينا بأهمية إقرار واعتماد تشريع أو قانون يكفل الحق فى تداول المعلومات، ويضمن للمواطنين حرية الحصول على المعلومات التى تحتفظ بها السلطات العامة، بالإضافة إلى استعراض الأحكام الراهنة التى تنظم سرية المعلومات فى مختلف القوانين القائمة، بغرض إلغائها أو تعديلها بما يتماشى مع المعايير الدولية بشأن المكاشفة والانفتاح، وبما يضمن تعزيز الضمانات التى تكفل حرية التعبير فى الدستور «الجديد»، بالإضافة إلى فرض حدود وضوابط صارمة على السلطات والصلاحيات المخولة للحكومة، التى تتسبب فى تقييد الحقوق الأساسية والأصلية. وهكذا تبدو سريعاً مثالب الدستور المعيب، فقد نصت المادة (47) على أن: «الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق، والإفصاح عنها، وتداولها، حق تكفله الدولة لكل مواطن، بما لا يمس حرمة الحياة الخاصة، وحقوق الآخرين، ولا يتعارض مع الأمن القومى. وينظم القانون قواعد إيداع الوثائق العامة وحفظها، وطريقة الحصول على المعلومات، والتظلم من رفض إعطائها، وما قد يترتب على هذا الرفض من مساءلة»، بهذا عزيزى المواطن لن تتمكن من الحصول على حقك الطبيعى فى المعلومات والمعرفة من المصادر الحكومية، لأن طريقة الحصول على الوثائق والبيانات ينظمها القانون وفق النص الدستورى، وبالتالى يمكن تمرير العديد من القوانين التى تستهدف حجب المعلومات وسهولة إقرارها عبر مجلس الشورى الذى يهيمن عليه تيار الإسلام السياسى الذى يحظى بتحالف تام مع نظام الحكم. كذلك لا بد من التحديد بدقة لعبارة «شاغل المنصب العام»، وهل أعمال المنصب العام لها علاقة بالضرورة مع مقتضيات الأمن القومى؟ وهل لها علاقة بحرية الحياة الخاصة؟ لقد كان أملنا -ولا يزال- أن نتخلص من جميع القيود والمعوقات التى تحول دون بناء الإنسان المصرى على أسس ديمقراطية صحيحة، تصون الحقوق والحريات وتتيح ملكات الإبداع والابتكار، وصولاً لمجتمع العدل والمساواة والرفاهية للجميع.