يمشى يوسف عبدالله القرضاوى مترجرجاً فى تؤدة، يجر من خلفه ثمانية عقود ونصف العقد بين الدعوة والسياسة والسجن والهجرة، حين مات أبوه وهو فى سن الثانية، نشأ معتمداً على نفسه، مؤمناً بقدراته، فحفظ القرآن كاملاً ولم يكَد يتم العاشرة، انضم لركب الأزهر، وفى كلية أصول الدين تخرج عام 1953، كان ترتيبه الأول على دفعته، حصل على الدكتوراه عام 1973، وكان مضمونها كيفية مساهمة الزكاة فى حل المشكلات الاجتماعية. دخل «القرضاوى» غمار السياسة مبكراً، إذ انضم لجماعة الإخوان المسلمين، آمن بفكر عرّاب «الجماعة» حسن البنا، واعتنق مذهبه، وتحمل وطأة السجن والاعتقال أكثر من مرة فى عصر الملكية، وفى حكم جمال عبدالناصر. ألَّف عن الإخوان كتاباً سماه «الإخوان المسلمون سبعون عاماً فى الدعوة والتربية والجهاد»، لكنه لم يتحمل ويلات السجون، وعثرات الاعتقال التى دامت مستمرة لعشرين شهراً فى عام 1954، فهاجر خارج البلاد، إلى الدوحة، عام 1963، ساعة لم تكن قطر قد عرفت الطريق بعد إلى أموال الذهب الأسود، قيض لأركانها الدينية هناك، تولى إدارة المعهد الدينى الثانوى، وعمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية حتى عام 1990، الأمر الذى دفع بالشيوخ فى قطر إلى منحه الجنسية القطرية، ومكث هناك، يخطب، ويلقى الدروس، ويؤلف الكتب ويظهر على قناة «الجزيرة» أسبوعياً، حتى عاد مؤخراً إلى مصر بعد ثورة يناير. حين وصل «الإخوان» لرأس الدولة عبر محمد مرسى، عبَّر «القرضاوى» عن غبطته، حلم الشباب، وعذابات الماضى، أفضت إلى نجاح، وصف «الجماعة» بأنها «الجماعة الإسلامية الوسطية المنشودة»، وأعاد للأذهان مشروع إمامه حسن البنا، الذى تشرَّبه صبياً، واعتبره «المشروع السُّنى الذى يحتاج إلى تفعيل». يحب «الإخوان المسلمين» ويحبه «الإخوان المسلمون»، بينهما علاقة من الود والعشق، لا يخفون التعبير عنها، خطب فى الأزهر الشريف الجمعة، بعد أن كان خطيباً للمسجد نفسه قبله بأيام مرشدُ «الجماعة» محمد بديع، القرضاوى الذى كان من أرباب الميدان وصف أفراد «الجماعة» بأنهم «أفضل مجموعات الشعب المصرى بسلوكهم وأخلاقياتهم وفكرهم وأكثرهم استقامة ونقاء». حاول لمَّ الشمل فى خطبته بالأزهر، يقول إن العلمانيين والليبراليين ليسوا بملحدين، يؤكد ضرورة استدراك ما فات، وتوحيد ما هو آتٍ، تتعلق به الأبصار أن يكون شيخاً للأزهر، لا سيما أن ثمة غضباً ينصب على أحمد الطيب، يزور القرضاوى «الطيبَ» بنفسه محاولاً نفى ما قيل، يرى بزيارته أن المجتمع المصرى متدين بطبعه، ولا يوجد بينه من ينكر وجود الله، يدعو إلى نبذ التطرف، والتخلص من الغلو فى الدين، المنفر للناس. يقول «القرضاوى» فى كتابه «موجبات تغير الفتوى فى عصرنا»: «إن كثيراً من المشايخ أو العلماء يعيشون فى الكتب ولا يعيشون فى الواقع، بل هم غائبون عن فقه الواقع، أو قل: فقه الواقع غائب عنهم، لأنهم لم يقرأوا كتاب الحياة كما قرأوا كتب الأقدمين، ولهذا تأتى فتواهم وكأنها خارجة من المقابر».