السادسة صباحا كعادته استيقظ، فتح عينيه قبل أن يرن المنبه، صباح مختلف لرجل غير عادى؛ فاليوم هو يوم خروجه على المعاش، تحسس بدلته الميرى وهو يرتديها لآخر مرة، لم يكن حزينا لأنه سيفقد لقبه العسكرى «سيادة العميد»، لكنه كان يشعر بفرحة، سببها أنه أخيرا سيستطيع ممارسة الهواية التى طالما أحبها ولم يمكنه عمله من ممارستها. لم تكن «بدلة العسكرى» هى فقط التى حرمته من هوايته بل زوجته وأبناؤه الثلاثة الذين لم يتخيلوا أن والدهم عميد الجيش من الممكن أن يتحول بعد المعاش إلى «رفا». «رفا ابن رفا» هذا هو رده على أبنائه خريجى كليات القمة المقيمين فى حدائق القبة، الذين تربوا بعيدا عن خان الخليلى الذى تربى فيه وجعله يعشق مهنة والده، لكنه لم ينجح فى نقل هذا الحب إلى أبنائه فالزمن غير الزمن وحياتهم غير حياته. يقول: «يمكن عندهم حق ما اتربوش فى الخان ولا عرفوا قيمة انك تجاور سيدنا الحسين، عرضوا علىَّ ملايين فى المحل ده لكنى رفضت، دى وصية ابويا لما أنا أموت يبيعوه ولادى». خمس سنوات مضت على خروجه على المعاش لكنه لا يزال يتذكره كأنه الأمس، فحياته الحقيقية بدأت بعد هذا اليوم، بعد أن استبدل بلقب سيادة العميد محمود لقب «عم محمود الرفا»، فرح جدا بالثورة وشعر وقتها بما يعنيه شعار «الجيش والشعب إيد واحدة»، لكنه الآن بدأ يفقد إحساسه بالشعار: «الجيش والشعب ما بقوش إيد واحدة، كل حاجة اتغيرت فى السنة اللى مرت، والمجلس العسكرى الناس مش فاهماه، بس الحمد لله إحساس الناس بالجيش لسه زى ما هو». ينكب عم محمود على سجادة بين يديه يستغرق وقتا فى جمع شتات خيوطها ليجمعها من جديد بنفس شكلها الذى نسجت عليه منذ مائة عام، فهو متخصص فى السجاد اليدوى، كان ينسجه بنفسه على نول قديم ورثه عن والده، الذى أوصاه قبل موته بأن يظل النول فى مكانه فى الورشة.