وكأنها تعزف مقطوعة موسيقية من وحى الفلكلور الفلسطيني، تعزف على النول قطعا من الصوف تذهل الزوار، انها الطفلة نداء عدوان التي تعتبر أصغر صانعة سجاد بالعالم، التي تعد تجسيدا حيا لنضال من نوع آخر تقوده عائلات فلسطينية ضد الاحتلال من خلال توريث أبنائها وبناتها لمهن الأجداد لتتناقل عبر الأجيال وتحفظ من الاندثار. ونداء ابنة الخمس سنوات، أدهشت زوار مهرجان الجذور التراثي الثامن عشر بخان يونس جنوب قطاع غزة التي نظمته جمعية الثقافة والفكر الحر، بانتاجاتها الصوفية المميزة . تقول بلهجتها الطفولية المتلعثمة وبحياء شديد :"كنت أشاهد أبى وأخي الكبير وهم يعملان على النول ويصنعان من الصوف أشكالا ومفروشات جميلة، فقلت لأبى أريد أن أعمل مثله، فعلمني". وتضيف الطفلة نداء عدوان "إنها تعمل بالنسيج فى البيت مع أخويها إيهاب 11 عاما، وكمال 9 أعوام، ولكنها تكون سعيدة أكثر بالعمل مع أخيها إيهاب الذي يساعدها ويعلمها حباكة الخيوط وكيفية قص الصوف". ويقول محمد عدوان والد الطفلة الذي ورث هذه المهنة عن والدته وأصبحت مهنته التي يتعيش منها :" نداء هي التي طلبت التعلم على آلة النول، بعد أن كانت تراقبني كثيرا أثناء العمل، ويؤكد عدوان أنه تفاجأ من سرعة تعلمها وإتقانها الشديد في نسج خيوط الصوف، مشيرا إلى انه يساعدها فقط في قص العقد لأنها تحتاج لبعض القوة التي ما زالت تفتقدها يداها الصغيرتان. وبالإضافة إلى نداء، يجيد أطفال محمد عدوان جلهم النسج على آلة النول، وعن سبب تعليمه لأبنائه هذه المهنة يقول عدوان" أخشي على هذه المهنة من الاندثار بسبب التطور الهائل الذي لحق بقطاع صناعة النسيج عموما، وغزو المنتجات الصينية للسوق وانصراف الناس على شرائها لبخس ثمنها مقارنة بالصناعات اليدوية ذات التكلفة العالية، موضحا أن هذه المهنة جزء من تراثنا الذي يجب أن نحافظ عليه ونعلمه لأبنائنا لتتوارثه الأجيال ونحفظه من الاندثار. ويؤكد والد الطفلة نداء أن ابنته تعتبر أصغر صانعة نسيج في العالم، ويتطلع لدخولها موسوعة جينيس العالمية، مطالبا المؤسسات الحكومية والأهلية بمساعدته على تسجيل ابنته بالموسوعة. ويشرح لنا والد نداء، ماهية آلة النول فيقول "هي آلة يدوية استخدمها أجدادنا قديما لتغطية حاجتهم من ملابس وأغطية، وهى عبارة عن إطار من الخشب بشكل مستطيل أو مربع تثبت المسامير على جوانبه الأربع يبعد كل منهما 2 سم لتثبيت خيوط السداة فيها. وهناك عدة أشكال من النول كل واحد يستخدم لصناعة قطع بعينها، مثلا النول الدائري ويستخدم لعمل قبعة أو لفحة أو كفوف لليد، نول على شكل مثلث ويستخدم لعمل الشالات، نول على شكل مربع ويستخدم لعمل مفارش الطاولة. ويعول محمد عدوان على المؤسسات الأهلية الكبيرة مثل جمعية الثقافة والفكر الحر التي تكرس جزءا كبيرا من نشاطاتها لإحياء التراث وتشجيع أصحاب المهن التراثية المعرضة للاندثار من خلال إفساح المجال لهم بعرض منتوجاتهم خلال معارضها وفعالياتها التراثية المختلفة على مدار العام والتي تتوجها بمهرجان الجذور التراثي، ومن خلال تنظيمها لدورات تدريبية لتعليم فئاتها المختلفة لهذه المهن لكي تحافظ عليها من الاندثار، عدا عن توثيقها لهذه المهن كتابيا والكترونيا وبأفلام تسجيلية.