لم يكن طالب الثانوية العامة «ياسر عبدالناصر» يتوقع أن تضامنه مع معتصمى العباسية الأربعاء 2 مايو، سيحرمه من أبيه الذى ذهب لينقذه من أيدى البلطجية، ليقضيا سوياً 8 أيام داخل سجن طرة، قبل أن يغادره، هو ويترك والده وحيداً، يعانى من مرضى الضغط والسكر. منزل صغير بأحد أزقة منطقة الطالبية بالهرم هو كل ما تملكه عائلة «عبد الناصر على حسين» الموظف بشركة التعاون للبترول (48 عاماً) يعيش فيه بصحبة أسرته المكونة من 7 أفراد ووالدته وأشقائه، ومنذ اعتقاله لم تنقطع دموعها ولا كلماتها الحزينة «خادوك منى يا ابنى، هموت من غيرك يا ناصر». «ذنب أبويا فى رقبتى» هكذا قال نجله ياسر (17عاما)، الذى أخلى سبيله على ذمة القضية، كونه طالباً، لكنه تمنى أن يعود إلى طرة ليرافق والده كما كان طيلة حياته، الابن الثانى من بين ال6 أبناء قال إنه شارك فى اعتصام وزارة الدفاع دون رضا والديه، لكن دماء ال9 شهداء كانت الدافع الأكبر للمشاركة، واستمر الأمر كما هو حتى جمعة 4 مايو عندما هاتفه والده وأبلغه بأنه قادم لإعادته إلى المنزل، لأن العائلة تعيش فى قلق مستمر خوفاً من تجدد الاشتباكات، ياسر يشعر بعقدة من عدم تمكنه من مغادرة العباسية وإجبار الاشتباكات له على الهرب إلى داخل مسجد النور، وقال: حاصرتنا قوات الصاعقة والشرطة العسكرية فى المسجد 3 ساعات، بعدما أوهم قائد الشرطة العسكرية اللواء حمدى بدين الشيخ حافظ سلامة بأننا سنمضى بسلام بعد هدوء الاشتباكات، لكن الحقيقة كانت أن عددنا كان يزداد وضرب وسب الجنود لا يتوقف، وطلب قادة الجيش الموجودون من الجنود أن يصطحبونا إلى أوتوبيسات تابعة لوزارة الدفاع، بحجة أننا سنخضع للتحقيق لساعات معدودة وقتها أمسكت بشدة بيد والدى الذى طمأننى بقوله (متخافش إحنا معملناش حاجة)، شقيقة الوالد عبدالناصر، وعمة الابن ياسر، قالت إنها رأته فى جلسة استئناف الحبس، وتتذكر أنها وقت الاشتباكات كانت تتابع شقيقها لحظة بلحظة عبر الهاتف وفى كل مكالمة كان يطمئنها بأنه بخير داخل مسجد النور وسيغادر هو وياسر، فور هدوء الأوضاع بشوارع العباسية، وقتها أمى، تلك السيدة المسنة التى تعيش فى العقد السابع من عمرها وتعانى من ورم خبيث بالمعدة، كانت كل همى ألا يتسرب إليها خبر وجوده فى بؤرة الاشتباكات، خاصة مع إعلان حظر التجول فكان ردى عليها : أنه سيقضى ليلته عند أحد زملائه بالعمل الذى يسكن بالعباسية، لأن الجو قلق، حسب قولها. «على باب النيابة العسكرية اتفرقت أنا وأبويا»، يصف ياسر ذلك المشهد بحسرة، ويكمل «ضابط برتبة عقيد طلب من جنود أن يضعوا المقبوض عليهم فى مجموعات استعداداً للعرض على وكلاء النيابة، والدى كان ضمن المجموعة التى دخلت التحقيق مع فجر السبت 5 مايو، أما أنا فقضيت ساعات الليل واقفاً داخل زنزانة متر فى متر، ومعايا 20 شاب»، الأحد 6 مايو، كانت الزيارة الأولى للعمة لابن الأخ ياسر بسجن طرة «استقبال»، فهى لم تكن تعلم أن أخاها يقبع فى زنزانة بسجن طرة المزرعة إلا بعدها ب3 أيام، فذهبت لتزوره وتقول «أول ماشافنى سألنى على أمى»، ثم تصمت لتمسح دموعها وتقول: «أخبرته أن والدته بخير والجميع بمن فيهم ياسر بخير، والكل ينتظر خروجه»، وتعلق باستغراب «الراجل بتاع ربنا بقى مسجون ببدلة بيضاء، حليق الرأس زى مساجين الأفلام، والتهمة محاولة اقتحام وزارة الدفاع والاعتداء على جنود الجيش، إزاى يتهموه برمى طوب على جيش بلده إزاى؟». قرار الإفراج عن الطلاب المعتقلين خوفاً على ضياع مستقبلهم، كان الأسوأ لياسر لأن «حياته من دون والده ضياع» فهو على بعد 10 أيام من الامتحان، لكن مستقبله لا ملامح له، فى غياب والده، ورغم ذلك كله يرى أن مشاركته بالاعتصام لم تكن خطيئة بل «نصرة للمستضعفين». «أم ناصر» كما تحب أن يلقبها الجميع، لا تعرف كيف ستنتظر حتى 2 يونيو لتتعرف على مصير ابنها ف«الموت أهون من الانتظار»، تقول «هو اللى بيأكلنى ويودينى للدكتور» فالأم لا تعلم من أين ستكتسب الأسرة رزقها ولكنها تحلم بعودة الابن البار «لطبلية الغداء».