صرخة مدوية أسقطت الفرعون الأصغر مبارك في أقل من ثلاثة أسابيع، وستسقط كل فرعون يأتي بعده.. وبعدها تقلبت الأمور، وصعد من صعد، وإختفى من إختفى، وتاهت بعض المفاهيم وشاعت الإتهامات، هذا أبرز ما جاء في حوار الدكتور أحمد شوقي العقباوي- أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر ل"الوادي" فإلي نص الحوار. ** الوضع العام في مصر ملئ بالعديد من القضايا والملفات الشائكة، بأي الأحداث تحب أن نبدأ؟ - البيئة المصرية حبلى بثلاثة قضايا رئيسية، الأولى هي ما خرج الشعب لأجلها في يناير الماضي نتيجة الاحساس بصلف وفجر السلطة السياسية الحاكمة في التعامل مع المواطنين، وإهدار كرامتهم ثم تأتي بعد ذلك قنبلة الفتنة الطائفية التي لم يتم التعامل معها بعقلانية منذ عهد عبدالناصر، وصولاً لحالة الاستقطاب والتفاوت الحاد بين الاغنياء والفقراء. ** ماذا تقول عن المظاهرات في الشارع المصري والتي تزداد يوما بعد الآخر رغم مرور ما يقرب من عامين على ثورة يناير؟ - امتلأت الميادين العامة بالمظاهرات الفئوية كمحاولة أخيرة لاستعادة كرامتهم المسلوبة وعدالتهم المنهوبة بالتخلص من تلك الفئة الباغية؛ حينما أحس المصريون أن معظم النار من مستصغر الشرر استفاقوا سريعاً فتخلص مؤقتاً من نيران الطائفية رغم انها لاتزال في بطن المجتمع لأنها ذات علاقة وثيقة بما نطلق عليه المواطنة ولا شك أننا كمسلمين نتعامل مع المسيحيين كمواطنين درجة تانية واننا فقط اصحاب البلد وهم ضيوف علينا ومن يدعي غير ذلك فهو كاذب. وبالتالي علينا أن نكون صرحاء مع أنفسنا واذكر في احدي البرامج التلفزيونية مع الاعلامي محمود سعد والفنان رشوان توفيق والروائي جمال الغيطاني فذكرت له أنني قبطي مسلم لكن جدي الأكبر كان في الغالب مسيحي فقير فبإنتهازية لكي يهرب من دفع الجزية دخل الاسلام. ** ماذا تقصد؟ - أعني أن كل المصريين أقباط البعض مسلم والبعض الآخر مسيحي وبالتالي فحينما نتحدث عن المواطنة نصبح كلنا مصريون، وهذا ما نحتاج تقنينه في الدستور الجديد بداية من التركيز علي قضية المواطنة وحينما يردد المتخلفون عقلياً من جماعتي الاخوان والسلفيين أن هؤلاء أهل ذمة ويتوجب عليهم دفع الجزية فإنهم سيسقطون سقوطاً مدوياً لأن كل من يعيش علي أرض مصر مواطن له حقوق وعليه واجبات بغض النظر عن سنه أو انتماءاته الدينية والحزبية والفكرية لكنني متفائل بأداء مستشاري الرئيس من صفوة وحكماء المثقفين والسياسيين وفقهاء القانون الدستوري. ** بعض الاسلاميين يكفرون الديمقراطية وفي الوقت ذاته ينافسون على مقاعد الانتخابات القائمة علي أساس ديمقراطي.. فبما تفسر هذا التناقض؟ - نوع من الانتهازية الدينية ومن ثم فإننا أمام خيارين كلاهما مر إما الفاشية الدينية أو الفاشية العسكرية التي سقطت بإرادة الشعب المصري، ومن ثم فالديمقراطية لن تتحقق في شهور، وكما قال ديفيد كاميرون- رئيس وزراء بريطانيا "نحن بنينا الديمقراطية خلال مائة عام" ونحن بدانا الخطوة الأولي لكن إياك أن تخدع بتحقيقها خلال عشرة او عشرين سنة قادمة لأن نمط التربية الاسرية لا يزال قائم علي فكرة التبعية والمرجعية الأبوية (المجتمع الأبوي) فالديمقراطية في مصر ستستغرق وقت طويل لكي يتقبلها مجتمعنا الأبوي فكلنا نتربى علي أن أراؤنا وحدها الصواب وما سواها خطأ رغم أن الإمام الشافعي كان يقول "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب". ** من هو الطرف الثالث الذي أعلنت عنه قيادات المجلس العسكري السابقين خلال أحداث مجلس الوزراء ومحمد محمود؟ - في رأيي الأحاديث التي دارت حول الطرف الثالث او اللهو الخفي هو نوع من التمويه والتغطية علي أفراد أو منظمة أو هيئة تعمل تحت السطح إما بتعليمات من المسجونين في طره أو جماعات ممولة من الخارج، خاصة من دول الخليج التي ليست من مصلحتها بناء نظام ديمقراطي مصري حقيقي خوفاً من انتقال عدوي الانتفاضة إلى بلادهم أو من قبل الغرب وعلي رأسه الولاياتالمتحدةالأمريكية رغم حديثهم الدائم عن الديمقراطية ورغبتهم الشديدة في تطبيقها في المنطقة العربية وهم يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك، حيث أنني من قراءتي لتاريخ الغرب فإنه بلاشك يتعامل مع الدول العربية بطريقتين لا ثالث لهما، الأولى أنه يريد الديمقراطية لبلاده من أجل مصالحه فضلاً عن تفضيله أن يتعامل مع الحاكم الفرد ولعل هذا ما كان يحدث دائماً في بلادنا منذ منتصف القرن العشرين عن طريق دعمهم التام للسياسات المطلقة في دول العالم الثالث. ** الحكم الشمولي تقصد؟ - بالطبع لأنه من خلال التعامل مع رئيس أوحد فإنه يضمن مصالح بلاده بشكل كبير وبالتالي فإنه يمر بالأزمة التي مر بها أثناء الغزو على العراق حينما رفض البرلمان التركي مرور الطائرات الامريكية من علي إجوائها وهو ما كلف الحملة ما يزيد عن 500 مليون دولار ومن ثم فالأسهل عندهم أن يتعاملوا مع الحاكم الفرد او الشمولي. ** لكن الحاكم الفرد يخلق ديكتاتوراً جديداً فهل سيمارس الديكتاتورية على شعبه فحسب؟ - مشكلة الحاكم الفرد أنه لا يستمد شرعيته من مسألة رضاء الجماهير بقدر امتلاكه لأدوات القمع بين يديه سواء شرطة او جيش فضلاً عن قدرته على سلطة المنح والمنع ومن ثم فالجهة الوحيدة التي تضمن بقاؤه الابدي في الكرسي تتمثل في القوى الخارجية، وبالتالي فإن كافة رؤساء الانظمة الشمولية ليسوا سوى ألعوبة في يد القوى الأجنبية التي كانت من قبل تمارس الاستعمار من خلال الجيوش حتى وصلت لمرحلة السيطرة على من يحكم لكي تأتي السياسات العربية في مصلحتها أولاً. ** الاستعمار من خلال الجيوش هل تراه قابلاً للتكرار في المنطقة العربية مجدداً؟ - وارد جداً ولاسيما بعد كل ما رأيناه بالعراق؛ لأن الراسمالية العالمية والقوى الكبري لا تتورع عن فعل أي شئ طالما تحافظ به على مصالحها ولا تنسى أن استقلال مصر بصفة خاصة يمثل لهم حجر عثرة أمام تنفيذ مخططات واستراتيجيات الدول الكبرى على مستوى العالم وبالتالي فإنه يتعامل مع منطقة الشرق الأوسط لسببين، أولهما البترول، وثانيهما وهذا هو الأهم مصلحة اسرائيل وجعلها دوماً متفوقة باعتبارها قاعدته المتقدمة للسيطرة على هذه المنطقة. ** ما أقصده د.العقباوي هو سهولة قيادة القوي الخارجية للرئيس المصري من عدمه؟ - لاشك ان ثمة اتفاق ثنائي بينهما على ألا يحدث تقدم ملحوظ أو خطوات ثورية في مصر بعد الثورة ويتم الانتقام من الشعب بالقانون، فضلاً عن تصفية الثورة المصرية نهائياً ومما لاشك فيه أنه لولا المليونيات التي يشهدها ميدان التحرير خلال الشهور الماضية فإن الإخوان المسلمين والرئيس مرسي لم ولن يحققون أي خطوات ايجابية علي طريق النهضة أو محاكمة رموز وقيادات النظام السابق ومن ثم فكل تصرفاتهم جاءت إذعاناً للضغوط الشعبية بعد فشل الأساليب القمعية الأمنية التي كانت تطبق قديماً بإمتياز خوفاً من الثورة عليهم ثانية. ** لكنه في أحيان كثيرة ما يلجأ لتلك الاساليب في فض الإعتصامات ولعل ما حدث في إعتصام المعلمين والنقل وطلاب جامعة النيل خير دليل علي ذلك؟ - لاشك أن نظام مبارك لا يزال قائماً وما حدث مؤخراً من إعتداءات علي المتظاهرين وسحلهم وتعريتهم بتلك الصورة القميئة هو سلوك مباركي خالص لأن الحاكم الفرد (الديكتاتور) لا يمتلك في جعبته سوى سلاحي الشرطة والجيش وما حدث ان الشعب كسر الشرطة تماماً بعد أحداث 25 يناير وبالتالي فلم يعد امامه سوى السلاح الثاني (الجيش) الذي يلجأ إليه لاحتواء الموقف. ** إحتواء ام قمع؟ في رأيي أن النظام القائم يتصرف كما لو كان موكلاً من المجلس العسكري والمخلوع "مبارك" لتصفية الثورة المصرية والشق الثاني الأهم أن ما حدث في يناير كانت بداية لظهور الصراع الموجود في بطن المجتمع طوال السنوات الماضية ما بين الجيل الجديد والاجيال القديمة الحاكمة، ما بين جيل الأحفاد وجيل الأجداد ولو تابعنا أعمار كافة الوزراء والقيادات القديمة ستجد ان الغالبية العظمى منهم فوق الستين وهو ما لا يتوقع من وراءه أن يتخذ قرارات ثورية، وإذا ما أعطاك من طرف اللسان حلاوة فيروغ منك كما يروغ الثعلب، وهو ما ينطبق علي النظام الحاكم وقيادتهم بصورة كبيرة.