طالعتنا بعض الصحف المصرية بخبر يفيد بأن مصدر قضائي رفيع المستوى صرح بأن اللجنة القضائية المصرية المشكلة لاسترداد الأموال المنهوبة قد أرسلت إلى هونج كونج طلبا بالمساعدات القضائية في تجميد 35 مليون دولار مملوكة لحسين سالم رجل الأعمال الهارب إلى أسبانيا وشريكه على أفسن تركي الجنسية ، موجودة داخل البنوك هناك وقد أشار ذات الخبر إلى أن أسبانيا قد وافقت على الطلب المصري بتسليم حسين سالم إلى القاهرة ، إلا أنه قام بالطعن أمام المحكمة الدستورية الأسبانية على قرار المحكمة بالتسليم. والحقيقة إنني عندما قرأت هذا الخبر بشيء من التأمل وجدت أن هناك سؤالا يأتي على درجة كبيرة من الأهمية قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم مؤداه :هل شكل الرقابة على دستورية القوانين والنظم الإجرائية المتبعة لمباشرتها المعمول بها أمام المحكمة الدستورية الاسبانية هي ذاتها المعمول بها أمام المحكمة الدستورية العليا المصرية ؟ وفي سبيل الإجابة على هذا السؤال سنعرض بإيجاز شكل الرقابة على دستورية القوانين في النظام المصري ، والنظم الإجرائية واجبة الإتباع أمام المحكمة الدستورية العليا المصرية في نقطة أولى، وعقب ذلك نبين شكل الرقابة على دستورية القوانين في النظام الاسباني ، والنظم الإجرائية واجبة الإتباع أمام المحكمة الدستورية الأسبانية وذلك حتى يتضح بجلاء أمام القارئ الكريم أوجه التشابه والاختلاف بين نظام المحكمة الدستورية العليا في مصر والمحكمة الدستورية في أسبانيا. وفي البداية نشير إلى أن النظام القانوني المصري قد أخذ بأسلوب الرقابة القضائية اللاحقة المحددة والذي يتم بمناسبة حالة معينة من حالات تطبيق القاعدة القانونية محل الطعن في دستوريتها ، مرفوع بشأنها دعوى أمام إحدى المحاكم العادية ، ويتحقق هذا الأسلوب من خلال المنازعة الدستورية الفرعية التي تثار أمام المحكمة العادية ، وفي هذه الحالة توقف تلك المحكمة الدعوى وتحيل المنازعة الدستورية إلى المحكمة الدستورية العليا أو تصرح للخصم الذي أثار المنازعة الدستورية برفع الدعوى الدستورية ، وعقب ذلك تفصل المحكمة الدستورية العليا في المنازعة الدستورية المثارة بالنظر إلى الحالة المعروضة عليها ، وبالقدر الذي يؤثر في النزاع الموضوعي المطروح أمام القضاء العادي. والجدير بالذكر في هذا المقام أنه يشترط لقبول الدعوى الدستورية أن يتوافر للمدعى فيها مصلحة قانونية وشخصية مباشرة ، والتي تعني بإيجاز شديد أن يكون قد أصابه ضرر فعلي من جراء تطبيق النص التشريعي غير الدستوري عليه، وعلاوة على ماتقدم فقد حددت المادتان 27 ، 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 التنظيم الإجرائي لمباشرة الرقابة على دستورية القوانين وطرق تحريك الدعوى الدستورية ، والتي لا تقبل هذه الدعوى إلا من خلالها ، وفيما يتعلق بشكل الرقابة على دستورية القوانين في النظام القانوني الأسباني ، فقد عرف هذا النظام أسلوب الرقابة القضائية اللاحقة المحددة على التفصيل الذي أوضحناه في النظام المصري ، كما عرف النظام الاسباني أيضا أسلوب الرقابة على دستورية القوانين الذي يتم بناء على الدعوى المباشرة المرفوعة من الأفراد لحماية حقوقهم وحرياتهم، وتتم هذه الرقابة بشكل عام لحماية الحقوق والحريات بواسطة دعوى يباشرها أحد الأفراد بسبب المساس بحقوقه الدستورية من خلال تشريع أو لائحة أو بسبب حكم قضائي أو قرار إداري وفي هذه الحالة يشترط لقبول هذه الدعوى أن يكون المدعى قد استنفذ جميع الوسائل المتاحة أمام القاضي العادي لحماية حقوقه وقد أجاز الدستور الاسباني في الفقرة الثانية من المادة (161) منه رفع الدعوى الدستورية المباشرة بواسطة الفرد أمام المحكمة الدستورية الاسبانية بسبب مخالفة الحقوق والحريات المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة (53) من الدستور وهي الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في الفصل الأول من الباب الثاني من الدستور ، ويتوافر هذا الحق لكل شخص طبيعي أو قانوني له مصلحة مشروعة، وكذلك الحال لمحامي الشعب ، الذي تنحصر مهمته الأساسية في الدفاع عن سيادة الدستور ومصالح الجماعة ، وللنيابة العامة أيضا حق رفع هذه الدعوى وفضلا عن ذلك فقد أجازت المحكمة الدستورية الاسبانية للأفراد الطعن مباشرة أمامها لعدم دستورية القرارات الإدارية بسبب انتهاكها للحقوق وجوهر الرقابة على دستورية القرارات من خلال الدعوى المباشرة التي يرفعها الأفراد يتمثل في أن المدعى ينقل قضيته الموضوعية مباشرة إلى المحكمة الدستورية دون أن يتوسط في ذلك قرار من المحكمة العادية أو قرار من أية سلطة أخرى. ومن الجدير بالملاحظة أن المنازعة الدستورية في هذه الحالة تنحصر في انتهاك الحقوق والحريات الأساسية التي يحميها الدستور ، وخاصة الواردة في الفصل الأول من الباب الثاني للقسم الأول من الدستور الأسباني ، ويقتصر الطعن بصفة أساسية إما على الأحكام القضائية وخاصة التي تصدر من محاكم آخر درجة أو على القرارات الإدارية وحينما ترفع الدعوى الدستورية المباشرة ضد حكم قضائي أو قرار إداري يثير الطاعن في الدعوى تطبيق المحكمة التي أصدرت الحكم قواعد غير دستورية في حكمها أو أنها طبقت بطريقة غير دستورية قواعد فسرتها على نحو مخالف للدستور ، وهكذا تستخدم الدعوى الدستورية المباشرة بوصفها إحدى وسائل الرقابة على أحكام القضاء ضمانا لحماية حقوق الأفراد المتعلقة بالحق في المثول أمام القاضي الطبيعي ، والحق في المحاكمة العادلة أو المنصفة . ويرى بعض رجال الفقه الدستوري أن أسلوب الطعن المباشر بعدم دستورية التشريعات ، أصبح في الدول التي تأخذ به –ومنها أسبانيا – بمثابة طعن بالنقض رفيع المستوى.