محافظ الجيزة يكلف بمضاعفة جهود النظافة عقب انكسار الموجة الحارة    ترامب: سنناقش مسألة تبادل الأراضي والقرار يعود للجانب الأوكراني ولن أتفاوض باسمهم    فيصل وشلبي يقودان تشكيل البنك الأهلي أمام حرس الحدود بالدوري الممتاز    "عملتها الستات ووقع فيه الرجالة"، مقتل وإصابة 3 أشخاص فى مشاجرة بين عائلتين بالبدرشين    نجوى فؤاد تحسم الجدل حول زواجها من عم أنغام ( فيديو)    «يا رايح للنبي».. سعر الريال السعودي مقابل الجنيه اليوم الجمعة 15 أغسطس 2025    بعد «الإحلال والتجديد».. افتتاح مسجد العبور بالمنيا    قبل ساعات من قمة ألاسكا.. بوتين في أكبر مصنع روسي لإنتاج كبسولات تعزيز الذاكرة والمناعة (تفاصيل)    متحدث باكستاني: عدد قتلى الفيضانات المفاجئة في شمال غرب باكستان ارتفع إلى 157 شخصا    المتحدث العسكري ينشر فيديو عن جهود القوات المسلحة في إرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة (تفاصيل)    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 فلكيًا في مصر (تفاصيل)    الاتحاد السكندري يعاقب المتخاذلين ويطوي صفحة فيوتشر استعدادًا ل «الدراويش» في الدوري    فليك: جارسيا حارس مميز وهذا موقفي تجاه شتيجن    تشالهانوجلو يعود إلى اهتمامات النصر السعودي    الرئاسة في أسبوع، السيسي يوجه بوضع خارطة طريق شاملة لتطوير الإعلام.. حماية تراث الإذاعة والتلفزيون.. ورسائل حاسمة بشأن أزمة سد النهضة وحرب غزة    ب6 ملايين جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية ل«مافيا الاتجار بالدولار» في المحافظات    المنيا.. مصرع طفلة إثر صعق كهربائي داخل منزل جدتها بسمالوط    رئيس جامعة بنها: التعليم بداية الطريق وتقديم كافة أنواع الدعم للخريجين    فنانو مصر عن تصريحات «إسرائيل الكبرى»: «نصطف منذ اليوم جنودًا مدافعين عن شرف الوطن»    عمرو يوسف: تسعدني منافسة «درويش» مع أفلام الصيف.. وأتمنى أن تظل سائدة على السينما (فيديو)    رانيا فريد شوقي في مئوية هدى سلطان: رحيل ابنتها أثر عليها.. ولحقت بها بعد وفاتها بشهرين    وفاء النيل.. من قرابين الفراعنة إلى مواكب المماليك واحتفالات الخديوية حتى السد العالي    حكم من مات في يوم الجمعة أو ليلتها.. هل يعد من علامات حسن الخاتمة؟ الإفتاء تجيب    «إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة».. إمام المسجد الحرام: تأخير الصلاة عند شدة الحر مشروع    خطيب الجامع الأزهر: الإسلام يدعو للوحدة ويحذر من الفرقة والتشتت    «السلام عليكم دار قوم مؤمنين».. عالم بالأزهر: الدعاء عند قبور الصالحين مشروع    بحث تطوير المنظومة الطبية ورفع كفاءة المستشفيات بالمنيا    نائب وزير الصحة: مهلة 45 يومًا لمعالجة السلبيات بالمنشآت الطبية في المنيا    بطعم لا يقاوم.. حضري زبادو المانجو في البيت بمكون سحري (الطريقة والخطوات)    خدمات علاجية مجانية ل 1458 مواطنا في قافلة طبية مجانية بدمياط    الصفقة الخامسة.. ميلان يضم مدافع يونج بويز السويسري    متى تنتهي موجة الحر في مصر؟.. الأرصاد الجوية تجيب    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالفيوم    محافظ الدقهلية يتفقد عمل المخابز في المنصورة وشربين    عودة أسود الأرض.. العلمين الجديدة وصلاح يزينان بوستر ليفربول بافتتاح بريميرليج    ترامب يؤيد دخول الصحفيين إلى قطاع غزة    مالي تعلن إحباط محاولة انقلاب وتوقيف متورطين بينهم مواطن فرنسي    محافظ أسيوط يتفقد محطة مياه البورة بعد أعمال الإحلال    قصف مكثف على غزة وخان يونس وعمليات نزوح متواصلة    117 مليون مشاهدة وتوب 7 على "يوتيوب"..نجاح كبير ل "ملكة جمال الكون"    البورصة: ارتفاع محدود ل 4 مؤشرات و 371.2 مليار جنيه إجمالي قيمة التداول    مديرية الزراعة بسوهاج تتلقى طلبات المباني على الأرض الزراعية بدائرة المحافظة    تراجع معدل البطالة في مصر إلى 6.1% خلال الربع الثاني من 2025    السيسي يوافق على ربط موازنة هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة لعام 2025-2026    الزمالك يمنح محمد السيد مهلة أخيرة لحسم ملف تجديد تعاقده    «الطفولة والأمومة» يحبط زواج طفلتين بالبحيرة وأسيوط    الكنيسة الكاثوليكية والروم الأرثوذكس تختتمان صوم العذراء    الكشف على 3 آلاف مواطن ضمن بقافلة النقيب في الدقهلية    نائب وزير الصحة يتفقد المنشآت الطبية بمحافظة المنيا ويحدد مهلة 45 يوما لمعالجة السلبيا    الإدارية العليا: إستقبلنا 10 طعون على نتائج انتخابات مجلس الشيوخ    ضبط مخزن كتب دراسية بدون ترخيص في القاهرة    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 15 أغسطس 2025 والقنوات الناقلة.. الأهلي ضد فاركو    ياسر ريان: لا بد من احتواء غضب الشناوي ويجب على ريبييرو أن لا يخسر اللاعب    قلبى على ولدى انفطر.. القبض على شاب لاتهامه بقتل والده فى قنا    ضربات أمنية نوعية تسقط بؤرًا إجرامية كبرى.. مصرع عنصرين شديدي الخطورة وضبط مخدرات وأسلحة ب110 ملايين جنيه    الدكتور عبد الحليم قنديل يكتب عن : المقاومة وراء الاعتراف بدولة فلسطين    نفحات يوم الجمعة.. الأفضل الأدعية المستحبة في يوم الجمعة لمغفرة الذنوب    بدرية طلبة تتصدر تريند جوجل بعد اعتذار علني وتحويلها للتحقيق من قِبل نقابة المهن التمثيلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. علاء عوض أستاذ الكبد في معهد «تيودر بلهارس» يكتب: وهم «العلاج بالكفتة».. وحقيقة عبد العاطي
نشر في الوادي يوم 04 - 03 - 2014

«عبد العاطي» يخطئ في معلومات يعرفها «تلميذ في 3 طب».. وفريقه يروج لنقل الفيروسات عبر «الجاكيت»
«الاختراعات» المزعومة «خيال علمي» لخدمة أهداف سياسية.. وما يحدث امتداد للعلاج ب«بول الإبل»
رأيت جهاز اكتشاف الفيروسات في 2010 باليابان.. ومنظمة الملكية الفكرية العالمية رفضت تسجيله كاختراع
ماذا ستفعلون حين يدرك ملايين المرضى أنهم تعرضوا للخداع؟
لم أكن أتصور فى بداية حياتى المهنية التى امتدت أكثر من ثلاثة عقود اننى سوف اتعرض لهذا القدر من الصدمات خلال مسيرتها، صدمات تتعلق بثوابت، أو هكذا كنت أظنها، فى مناهج البحث العلمى وفى التعامل مع أصول وروافد العلم من حقائق ونظريات.
كانت البداية حين قرأت حوار اللواء رئيس الفريق البحثى بالهيئة الهندسية للقوات المسلحة، والمنشور فى جريدة المصرى اليوم، حول اختراعه السحرى لعلاج الأمراض الفيروسية وحزمة أخرى من الأمراض. فاجأني السيد اللواء بقوله ان فيروس سى هو من الفيروسات مزدوجة "الحبل"، وبصرف النظر عن استخدام كلمة الحبل فى التوصيف العلمى، فان أى طالب بالفرقة الثالثة بكلية الطب، يعلم ان فيروس سى هو مفرد الشريط، وأن هذه المعلومة الأساسية بالنسبة لعلم الفيروسات هى فى مرتبة حروف الهجاء بالنسبة لعلوم اللغة. هذا ماكنت أعلمه، أو على الأقل أتصور أنه الحقيقة، حتى قرأت هذا الحوار. ويبدو أن المجتمع العلمى الدولى كان يتعامل مع كائن وهمى باعتباره فيروس سى، ولذلك لم يستطع أن يكتشف أسراره ويقضي عليه، بينما استطاع السيد اللواء ان يعلم حقيقة الفيروس الغائبة عن الجميع وبالتالي تمكن من قهره واصطياده، ربما.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يكمل السيد اللواء قاهر الفيروسات، كما أطلق على نفسه، قائلا أنه يستطيع أن يعالج خمسة مرضى بالايدز فى نفس الوقت الذى يستغرقه لعلاج مريض واحد بفيروس سى، ويفسر ذلك بقصة ازدواج "الحبل" التى اوردها سابقا، والواقع انه حتى لو افترضنا جدلا صحة ازدواجية شريط الفيروس التى يصر عليها السيد اللواء بالمخالفة لأساسيات العلم، فانها أيضا تكون المرة الأولى فى حياتى التى اسمع فيها أن استجابة الفيروسات للعلاج أو مقاومتها له تتحدد بحجم شريط الحمض النووى المكون له وربما كانت تلك أيضا نظرية جديدة فى العلم لم يتعرف عليها علماء الفيروسات بعد.
وتتوالى الصدمات بالتصريح الشهير للدكتور أستاذ الكبد، والعضو البارز فى الفريق البحثى للهيئة الهندسية، والذى قال فيه أن فيروس سى قد انتقل من مريض عانقه الى "الجاكتة" التى يرتديها هذا الطبيب، وأن جهاز الكشف عن الفيروس قد استطاع أن يكتشف الفيروس على سطح الجاكتة.والحقيقة أن هذه المعلومة شديدة الغرابة، بصرف النظر عن طرافتها، لأن معلوماتى ومعلومات الجميع توقفت عند ضرورة اختلاط دم الأنسان بدم المريض أو أحد مشتقاته لنقل العدوى، وبالتالي أتصور أن برامج مكافحة العدوى بعد تلك الملاحظة "العظيمة" لابد أن تشمل منع مصافحة وعناق المرضى، وربما يصل الأمر الى اصدار تشريع يحرم ارتداء "الجاكيتات".
والواقع أن هذه الصدمات لا يمكن التعامل معها باعتبارها خلافا علميا، لأنها تتعلق بأساسيات العلم وبديهياته التى تم العصف بها بكل هدوء وارتياح. وقد تعلمت أن التغييرات فى أساسيات العلوم هى من أدق البحوث لأنها تتعامل مع حقائق ثابتة وليس مجرد نظريات أو تطبيقات علمية، فجميعنا يعلم أن جزئ الماء يتكون من ذرتين هيدروجين وذرة واحدة من الاوكسيجين، فهل يستطيع أى باحث أن يقول أنه اكتشف تركيبة مغايرة للماء دون أن يقدم للعالم أدلة وبراهين علمية دقيقة وواضحة بشكل لايقبل الجدل؟ فهل قدم الفريق البحثى أى أدلة حول تلك التغيرات التى تحدثوا عنها بشأن تركيب فيروس سى وآليات نقل العدوى؟ أن كان الفريق البحثى يعنى حقيقة ماقاله من تصريحات، فان ذلك بمثابة دعوة للعالم كله لاعادة تعريف ودراسة علم الفيروسات، ولابد أن يكون لديهم الأدلة الكافية التى يقدمونها للمجتمع العلمى ليقنعونه بأن فيروس سى الذى يعرفونه قد تغير وأصبح مزدوج الشريط، وأن وسائل نقل العدوى قد اتسعت لتشمل عدوى "الجاكتة". أما ان كانوا لا يعنون ما قالوه، فتلك هى الكارثة الأعظم.
كيف يمكن لفريق بحثى تلك هى حدود معلوماته فى أساسيات العلم أن يطالبنى بتصديق أنه قام بانجاز علمى رائع باختراع جهاز سحرى يستطيع القضاء على كل الفيروسات والبكتيريا وغيرها من الأمراض. وكيف يمكن لبحث على هذه الدرجة المزعومة من الأهمية أن يعرض فى مؤتمر صحفى لا يمت بصلة الى ابسط قواعد النشر العلمى، فلا يوجد أى عرض لتصميم البحث وادواته والتحليل الاحصائي لنتائجه أو أى من عناصر النشر العلمى المتعارف عليها دوليا. وكيف يتم اجراء دراسة اكلينيكية على مرضى لعلاج مستحدث دون المرور بمراحل الدراسات الأولية على حيوانات التجارب ثم على المتطوعين ودون موافقات مسبقة من لجان أخلاقيات البحث العلمى. وعلى كل حال، فحتى لو تغاضينا عن كل هذه الأمور، وافترضنا حسن النية، وتجاوزنا عن الخوض فى الحديث عن العلاج بالكفتة وغيرها من العبارات التى وردت بالمؤتمر، يبقى أمامنا أن نناقش الفكرة من خلال المعلومات المتاحة لدينا
بداية، الحديث فى المؤتمر كان حول جهازين، الأول تشخيصى عن بعد، أى أنه يستطيع اكتشاف فيروس سى (وفيروس الايدز و انفلونزا الخنازير فى تطور لاحق) دون أخذ عينة من دم المريض. وقد تعرفت على هذا الجهاز لأول مرة عام 2010 فى مؤتمر باليابان. فكرة الجهاز تقوم على التقاط الموجات الكهرومغناطيسة الصادرة من الفيروس وقياس رنينها من خلال جهاز اليكترونى. وهناك تحفظات كثيرة حول قدرة هذه الفيروسات متناهية الصغر على اصدار موجات كهرومغناطيسية بالقوة الكافية لالتقاطها خارج الجسم وعن بعد، يتراوح بين متر واحد الى خمسمائة متر وفقا للخصائص المسجلة فى طلب براءة الاختراع، والتعرف على هذه الموجات بشكل نوعى دون التعرض للتشوش من اصدارات اجسام أخرى أكبر داخل جسم الانسان وخارجه، وبحساسية تشخيصية تصل الى 100%، وهو أمر يدعو الى التأمل الشديد والتساؤل أيضا. عموما عرض البحث فى مجموعة من المؤتمرات الدولية (حضرت أغلبها)، ولكنه لم ينشر الا فى دورية رقمية تصدر عبر الانترنت وهى مجلة الأكاديمية العالمية للعلوم والهندسة التكنولوجية، وهذه المجلة ضعيفة جدا من حيث معامل الأثر العلمى الخاص بها ولا يمكنها أن تكون سندا كافيا لجودة الأبحاث التى تنشرها. وعلى أى حال لا أعتقد أن هناك قبولا علميا دوليا لهذا الجهاز، فبعد أن تقدم مخترع الجهاز بطلب يحمل شعار وزارة الدفاع المصرية الى المنظمة العالمية للملكية الفكرية فى جنيف للحصول على براءة اختراع، اجابت المنظمة برفض الطلب مبررة ذلك بعجزها عن فهم الأساس العلمى للجهاز ووظائفه وغموص آليات عمله. ومن الجدير بالذكر أن هذا الطلب قد تضمن وظائف أخرى محتملة للجهاز بخلاف الكشف عن فيروس سى مثل الكشف عن انفلونزا الخنازير ومرض سوسة النخيل والكشف عن المواد المتفجرة لحماية الشخصيات الهامة فى مصر، وقد تم استكمال اجراءات طلب البراءة فى ديسمبر 2010 .
اشتمل المؤتمر الصحفى للهيئة الهندسية اعلان مفاجئ عن جهاز آخر يستطيع القضاء على فيروس سى وفيروس الايدز من خلال تعرض دم المصاب لموجات ما، خلال مرور الدم داخل هذا الجهاز، وتفتيت الغلاف الخارجي للفيروس عن طريقها. والحقيقة أن المؤتمر، الذى لم يضم أطباء، لم يوضح الآلية التى يستطيع بها هذا الجهاز تصويب موجاته على تلك الفيروسات بشكل نوعى ودقيق، دون غيرها من الخلايا والجسيمات فى الدم، ومدى قوة هذه الموجات وقدرتها على أداء هذه الوظيفة دون المساس بخلايا وأعضاء الجسم. كما أن المؤتمر لم يوضح ان كان هناك جهازين منفصلين للفيروسين أم أنه جهاز واحد وبه خاصية تغيير التردد مثل مفتاح البحث عن القنوات فى أجهزة التليفزيون. كما لم يوضح المؤتمر معنى الشفاء من المرض فى الدراسة التى قال الفريق البحثى أنه أجراها، فالجهاز وفقا لما تم عرضه يهاجم الفيروسات التى تسبح فى تيار الدم فقط، فلو افترضنا جدلا أن هذا الجهاز نجح فى القضاء على هذا القطاع من الفيروسات، هل يعنى ذلك الشفاء؟ أى دارس لعلوم الأمراض الفيروسية يعلم أن جزءا هاما من الفيروسات يغزو الخلايا الحية لاستخدام آليات الحياة الموجودة داخلها، لأن الفيروسات ليست خلية متكاملة ولا تملك هذه الآليات. فى مرضى الايدز على سبيل المثال يندمج جزء من العبء الفيروسى داخل نواة الخلية البشرية ويظل فى حالة كمون ثم ينشط بعد ذلك لمهاجمة الخلايا، كما أن جزء آخر من الفيروس يحيا داخل خلايا الدم البيضاء،وفى مرضى فيروس سى يعيش جزء هام من الفيروس داخل الخلايا الكبدية وخلايا أخرى بالجسم. لم يخبرنا السيد اللواء عن ذلك الجزء من العبء الكلى للاصابة، وكيف سيتعامل معه الجهاز، هل سيتم ادخال الكبد أو نخاع العظام مثلا داخل الجهاز للقضاء على الفيروسات، وهل سيستطيع الجهاز اجتياز حاجز الخلايا والتعرف على الفيروس بشكل دقيق ومحدد لتحطيمه مع الحفاظ الكامل على باقى مكونات الخلية، أم أنه سيدمر الخلايا أيضا بمنطق "على وعلى أعدائى".
لم يخبرنا المؤتمر أيضا بمدة الدراسة وفترة المتابعة الطبية للمرضى تحت العلاج، حيث أنه من المعروف والثابت علميا أن هؤلاء المرضى يتعرضون لنكسات بعد كل الأدوية والتقنيات العلاجية، مهما كانت درجة تقدمها، بنسب عالية، وأن التأكد من شفاء المريض لا يتم الا بعد فترات محددة من المتابعة الطبية والمعملية. والحقيقة أننا سمعنا أحاديث كثيرة ومتناقضة حول مدة الدراسة، الكلام المتداول أن رئيس الفريق البحثى قد كلف للعمل بالقوات المسلحة ومنح رتبة اللواء لقيادة هذا الفريق منذ خمسة عشر شهرا، أى أن مدة الدراسة لم تتجاوز هذه المدة، غير أن وسائل الاعلام تداولت أرقاما أخرى لمدة البحث وصلت الى 22 عاما، أى بعد سنوات قليلة من التعرف على فيروس سى، وحتى قبل عزله معمليا والتحقق من تركيبه الجينى، مما يعنى أن السيد اللواء كان يهاجم عدوا لا يعرف تركيبه ولم يتمكن أحد من رؤيته بعد.
فى الحقيقة أن مناقشة ماورد فى هذا المؤتمر من تصريحات وفيديوهات وصور هو أمر شاق للغاية ويكاد يكون مستحيلا، لأنه يفتقد أى أساس علمى للحديث ويطرح مجموعة من المتناقضات والافتراضات غير المنطقية دون أدلة أو دراسة مصممة بعناية أو أى تحليل احصائي لأى نتائج. لقد كان المؤتمر عبارة عن خطاب دعائى لايمت الى العلم أو الطب بأى صلة من قريب أو بعيد. سمعنا السيد اللواء يكرر عبارة "أنا أعالج"بالرغم من أنه ليس طبيبا، كما سمعنا طبيبا فى الفريق البحثى يقول من خلال الفيديو أن مرضى قصور الشرايين التاجية لم يعودوا بحاجة للعلاج بعد تعرضهم للعلاج بالجهاز، ثم تزيد طبيبة أخرى من نفس الفريق فى وسائل الاعلام أن مرضى السكر لا يحتاجون للانسولين بعد العلاج بهذا الجهاز، كما انه لديه القدرة على علاج الصدفية والسرطان أيضا. كيف يستطيع هذا الجهاز السحرى أن يعالج هذه الحزمة الممتدة من الأمراض، واذا افترضنا جدلا أنه يهاجم الفيروسات ويحطمها، فمن سيهاجم لعلاج السكر والصدفية ومرضى القلب والسرطان.
العلاقة بين العلم والخرافة علاقة معقدة وتتحدد ملامحها بدرجة التطور الاجتماعى والاقتصادي، فالبحث العلمى هو أحد الأنشطة المجتمعية وتختلف مساحته وفقا للتوجهات السياسية والاقتصادية للنظم الحاكمة فى المجتمعات المختلفة. وفى الدول التى تنتهج سياسات التبعية الاقتصادية تنحسر خطط التنمية مما يؤدى بالضرورة الى تهميش دور البحث العلمى بشكل عميق. وبالرغم من اننى أدرك جيدا أن هناك ارتباطا بين البحث العلمى والسياسة والاقتصاد، الا أننى أدرك أيضا أن هذه العلاقة ليست بهذا التبسيط المخل، حيث يوجد دائما هامش من الاستقلالية للبحث العلمى تتشكل فى اطاره مناهجه وأصوله وتقاليده مما يمنحه درجة من الوقار والمصداقية. والواقع أن البلدان التى قطعت شوطا كبيرا فى مجال البحث العلمى لايوجد لديها عدد كبير من العلماء يمتلكون عبقرية اينشتاين، ولكنهم يمتلكون منهجا دقيقا وصارما للبحث يحترمه معظم العاملين فى هذا القطاع ويتربون على قيمه. فى المجتمعات الأكثر تخلفا تختفي هذه القيم وتحل محلها قيم الخرافة التى من الممكن أن ترتدي رداء العلم أحيانا ورداء الدين أحيانا أخرى. وقد رأينا فى مصر أشكالا عديدة من هذه الممارسات فيما يتعلق بعلاج فيروس سى بدءا من الحبة الصفراء الصينية ومرورا بالعلاج بالأعشاب ولدغ النحل وعض الحمام وتسخين الدم والأوزون والطحالب وأخيرا وليس آخرا، بول الابل. غير أن فى كل هذه الحالات كنا نتعامل مع أفراد يقدمون هذه الادعاءات لبعض الوقت ثم تختفي. الأمر الآن يختلف، فنحن أمام ادعاء تقنية علاجية تبعث آمالا عريضة فى الشفاء لدى الملايين من المرضى، أغلبهم من الفقراء الذين لا يملكون التكاليف الباهظة للعلاج، وهذه الآمال ترعاها وتقدمها أهم مؤسسة فى جهاز الدولة.
لم يكن المؤتمر الصحفى الفذ موجها للأطباء والباحثين لأنه لم يتضمن أى عنصر من عناصر العرض العلمى، ولم يهتم الفريق البحثى بنشر البحث فى أى دورية طبية دولية أو حتى محلية أو التقدم بطلب براءة اختراع. لقد كان المؤتمر موجها الى الرأي العام بالأساس لتصدير حالة وهمية من الأمل وعرض انجازات على مستوى الخيال العلمى لخدمة أهداف سياسية مباشرة مهما كان ذلك منتهكا لوقار العلم. غير أن ما لم يقدره أعضاء هذا الفريق ورئيسه، أن تداعيات هذا الأمر لن تكون هينة. لقد وعدتم ملايين المرضى اليائسة بالشفاء، فهل تستطيعون الوفاء بهذا الوعد، وهل تستطيعون تحمل المسئولية اذا عجزتم عن تحقيقه، وماذا سوف تقولون لتلك الملايين حينئذ. فلتعلموا جميعا أن هؤلاء لن ينسوا، واذا شعروا بأن هناك من خدعهم وتاجر بآلامهم فلن يستطيع أحد الوقوف فى وجه الطوفان.
د. علاء عوض
أستاذ الكبد بمعهد تيودور بلهارس للأبحاث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.