ينهض "جريجور سامسا" مندوب المبيعات صباحاً كعادته في كل يوم، ليجد نفسه وقد تحول الى حشرة بشعة المظهر..فلما دقت الساعة السابعة لم يعد يعرف كيف سيخرج لعمله علي هذه الهيئة.. أفراد أسرته يطرقون عليه باب غرفته لتنبيهه إلي ميعاد خروجه للعمل..يحضر مدير الشركة التي يعمل بها للإطمئنان عليه فينضم إلي أفراد الأسرة في طَرقِ باب غرفته.. عندما يفتح الباب لهم، يهرب مدير الشركة فزعاً و تقع أمه مغشياً عليها، ليبدأ أفراد الأسرة بعد ذلك في التعامل معه بصورة مخالفة لما مضي، فقد كان شاباً وسيماً يساعد أبوه في الإنفاق علي الأسرة و يدخر للإنفاق علي مصاريف تعليم إخته دروساً في الكمان، فلما حدث ما حدث، بدأت مشاعر الحب "لجريجور" ثم الإشفاق عليه في التناقص بالتدريج و شيئاً فشيئاً إلي المستوي الذي قرر فيه أفراد أسرته أن يطردوه من حياتهم، لتقول أخته: "لو كان هذا هو "جريجور" حقاً لأدرك أن الكائنات البشرية لا تستطيع العيش مع هذا المخلوق، ولمضى إلى سبيله طوعاً، وعندئذ لن يكون لي أخٌ، لكننا سوف نكون قادرين على مواصلة الحياة وإبقاء ذكراهُ حية. أما في هذه الحال، فإن هذا المخلوق يورثنا أعظم الألم." سمع "جريجور" حوارات أفراد الأسرة و فهم ما توصلوا إليه إذ قرروا طرده و التخلص نهائياً منه، فتألم كثيراً و أُصيب بالإكتئاب. فلما دخلت الخادمة إلي غرفته ذات يومٍ وجدته ميتاً، فتعاملت معه بالمكنسة التي في يدها و قالت لأفراد الأسرة: "لقد خلصتكم من ذلك الشيء الذي في الغرفة". لم يشعر أفراد أسرته بالألم لموته، بل شعروا بالارتياح كما لو كان عبئاً ثقيلاً قد إنزاح عن كواهلهم، فقد تخلصوا من ذلك "الشيء" الذي ظل بالغرفة لفترة من الزمن، أما "جريجور" الإبن الحبيب المُخلص فليكن ميتاً يحتل مكانه اللائق في الذاكرة. أتذكر تلك الرواية..رواية "المسخ" لعبقري الكتابة الكَابُوسية التشيكي "فرانتز كافكا" كلما سمعت أو تحاورت مع بعضٍ من رفاق الثورة الذين أُحبِطَ أغلبهم بعدما ضاقت بهم السبل و مرت عليهم الأيامُ الصِعاب و الساعاتُ الطِوال في ظلمٍ و ظلمةٍ بعَالمٍَ لا معقولٍ فقد عقله و ضميره و إتزان نفسه، فصاروا كأفراد عائلة "سامسا"..يرغبون في الخلاص ممن تشوهت هيئته -و إن كان مُقرباً للغاية لهم في يومٍ ما- مفضلين الحياة بدونه، فقد مات بالفعل يوم تحول إلي مجرد "شيئ" و لم يتبقي سوي إعلان وفاته ليحتفظوا له بذكري طيبة في قلوبهم و يواصلوا مسيرة حياتهم القديمة -بنفس النَسقِ- من بعده و كأن "جريجور" لم يحيا يوماً و .........كأن ثورةً لم تحدث أبداً. أَعمدُ دائماً ،بعد كل لقاءٍ لي بأفراد عائلة "سامسا" من رفاق الثورة، أن أزور رفيقاً آخراً أجد لديه زخماً من نوعٍ مختلفٍ تماماً يُعيدُ إلي سيرتيَ الأولي، فيوقدُ من جديد جذوة نار الثورة البريئة داخلي..إنه الذي إنتصر ثم غضب عليه "بوسيدون" إله البحر فحكم بأن يتيه بين الجُزر فلا يعود إلي مملكته إلا بعد عشرةِ أعوامٍ كاملةٍ، بسبب قيامه بسب الآلهة إثر فقدانه لصديقٍ عزيزٍ له بعد إنتصاره في "طروادة"، فيظل سجيناً لدي حورية البحر "كاليبسو" لمدة سبعِ سنوات، ليُقرر بعدها "زيوس" كبير الآلهة أنه آن أوان عودته فيرسل إليه "هرمس" مبعوث الأوليمب لتحريره و يمضي بعدها ثلاثَ سنين في البحر بين جزر "كورفو" و "لوتوجافي" و "كوما" و "تسيريس" و "كابري" و "صقلية" يلاقي فيها أهوالاً عظيمة ليعود بعدها إلي مملكته "إيثاكا" و إلي زوجته "بينيلوب" التي حاصرها الخُطاب من النبلاء الذين ظنوا أنه مات في رحلة العشر أعوام، فيقيم لهم مأدبة و يقتلهم جميعاً ليعيش بعدها في سلام مع زوجته.. عشرُ أعوام من التيه و الأهوال لم يفقد فيها الأمل، بل لعل هذا الأمل كان دافعه للبقاءِ علي قيد الحياة.. مجردُ البقاءِ علي قيد الحياة. إنه رفيق التفاؤل النبيل "أوديسوس" صاحب "طروادة" بطل ملحمتي "الإلياذة" و "الأوديسة" لشاعر الإغريق الأسطوري "هوميروس". يظل حُلمُ الحرية و العدل و الحق يراودنا، و يبقي أملُ الثورة في القلب كوردةٍ حمراء..كعصفورٍ مغردٍ..كقبسٍ من نورٍ ساطعٍ يمدنا بروح مُلهِمةٍ لن تموت أو تتحول إلي مسخٍ "كافكا"مهما طال بنا الزمن. تظل براءةُ الثورة و نصاعةُ صفحتها و عنفوانها و زخمها -بل و نزقها في كثير من الأحيان- سبباً و دافعاً لمزيد من النضال رغم الإحباطات و الإخفاقات.......فوداعاً "سامسا"-"كافكا" و مرحباً "أوديسوس"-"هوميروس".