كنت أقرأ كتاب (في الأدب والفن والحياة) لصديقي الشاعرالكبير عبدالقادر حميدة الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، وأتجول من خلال صفحات الكتاب مع رؤي الشاعر وتأملاته وتجاربه ورحلاته الكثيرة خارج وطنه، وردود أفعاله تجاه مايقرأ ومايسمع وما يشاهد، جعلني أتخيل نفسي وكأني قد ركبت المركبة التي تفتق عنها خيال الأديب العالمي ه.ج ويلز (آلة الزمن) تلك الآلة الذي يستطيع الإنسان أن ينتقل من خلالها عبر مختلف العصور. واستوقفتني رؤية الكاتب الشاعر لقصة عالمية كتبها الكاتب التشيكي الشهيز فرانز كافكا، بعنوان التحول أو المسخ، والذي يري فيها كاتبنا أنها نموذج فريد لإثارة الدهشة في العقل، ورؤية شديدة النفاذ إلي أزمة الوجود الإنساني في كل زمان ومكان.. وقد وضع عنوانا للقصة هو ملخص القصة (عندما يتحول الإنسان إلي حشرة).. وتحكي هذه الرواية القصيرة قصة التاجر المتحول الشاب (جريجور ساما) الذي استيقظ من نومه ذات صباح، ليجد نفسه قد تحول إلي حشرة كبيرة.. وبعد أن يتحدث عن مشاعره عقب هذا التحول، ومشاعر ذويه، الذين كانوا يتمنون موته، إلا أنهم عندما مات تظاهروا بالحزن والأسي، وتعليقا علي مشاهد القصة، يري الكاتب أن قصة (التحول) علي حد تعبيره.. تعبير عن ظاهرة الصراع الساحق بين سطوة القوة وعزلة الفرد الأعزل في عصرنا الحديث.. بين هرمية القوي من أعلي إلي أسفل بين أن يكون الإنسان وألا يتاح له أن يكون! وهي تشخيص حاد الرؤية لتهرؤ العلاقات الروحية بين الإنسان والوجود، وبين الإنسان والإنسان، وبين الإنسان ونفسه. من منا يستشعر ابتلاءه وإنسانيته وآدميته كاملة، وهو يستقبل يوما جديدا موحيا وملهما لأن يعيد الإنسان خلق هذا العالم بالفرح والدهشة؟! بصيغة أخري: من منا يولد صباح كل يوم، وليس في داخله »جريجور ساما«مهما غادرنا أسرتنا، وارتدينا أفخر الثياب، ولم تنبت لنا سيقان عديدة ورقيقة؟! وما أجمل الإبحار في كتاب جيد.. جميل الأسلوب عميق المعاني.