تقول الحكمة غير المؤكدة "هناك مؤسسات من يرغب في دخولها بصفته تابع، يجب عليه أن يدخلها من باب التابعين، فإذا أراد أن يخرج منها مستقلاً بعد أن قوى على المواجهة وظن نفسه فارس الزمن القادم، فعليه أن يقبل الأيدي ويخرج منها مثلما دخل، وإلا عليه أن يتقمص دور البهلوان حتى يخرج بلا خسائر، فربما إجادة التمثيل تخرجه من مأزقه، لكن الإشكال دائماً ليس في الخروج، إنما في كيفية العودة مرة ثانية، فمن تأصلت في نفسه صفة التبعية، لا يمكن يوماً أن يكون مستقلاً، فبعض الحرية يولد مع الأحرار". وتقول الأسطورة "أن الثائر غالباً خاسر"، وأن بعض من يدخل في الثورة بحسن نية، قد لا يجنى منها أي ثمار من ثمار الحرية المزعومة، وربما فقد ثمرة حياته، وقد يحدث ذلك في الثورات السياسية التي تغير مسارات الشعوب، لكنني اتكلم هنا عن الثورات الشخصية فكثير من الناس يثور لسبب ما، فمثلا يثور العامل على صاحب العمل ويضطر للهجوم عليه، ويكلفه هذه أكل عيشه وأكل عيش أولاده، وربما جلس لأكثر من شهر بلا عمل أو أكثر، فيفقد بيته بالتبيعة، لتثور عليه عائلته، ثم يدخل في مشاكل نفسيه قد تضطره مثلاً للإدمان أو الانحراف أو السرقة أو الانجراف في أية داهية، ليس لأنه ثار فسحب لكن الثورة يجب أن تكون مخططة وليست عشوائية، ومرة ثانية أتحدث عن ثورة الشخص الناتجة عن غضب، وليس السياسي. الثورة تشبه المرأة التي تثور على رجلها وتطلب منه الخلاص، وتظل تطلب ذلك حتى إذا ما نالت خلاصها منه جلست على الأرض تولول وتقول: أنا أيه اللي عملته في نفسي دا ؟، لكنها ما تلبث أن تأخذها بعد ذلك نشوة عزة النفس والكبرياء والفرح والاستقلال، فتضطر أن تعيش ما يعرف "بصدمة الحرية"، فتجدها مثلاً تغير من ديكور البيت على مزاجها، ماحية أي أثر للمؤسف عليه، تذهب إلى الكوافير لقص شعرها أكثر، تجرب من الملابس مالم تكن تستطيع تجريبه، تذهب إلى كل مكان كانت مفردات الحياة الزوجية تمنعها من دخوله، وربما تسوقها اقدامها إلى الانحراف تحت تأثير هذه الصدمة "صدمة الحرية"، رغم أنها قد تكون غير منحرفة أو "واطية" أصلاً، لأن أزمة الثورة دائماً هي التفكير تحت ضغط ما يسمى بوهم "الاستقلال التام أو الموت الزؤام". والسؤال الآن هل هناك إنسان قادر على الاستقلال التام فعلاً ؟، هل هناك شخص مستقل وغير تابع في حياته لأى شخص أو مكان أو حتى شخصية اعتبارية؟ أن فكرة الاستقلال فكرة نسبية، فالموظف الذى ثار على صاحب علمه حتماً سيضطر إلى الذهاب إلى عمل جديد والعمل الجديد به سيد جديد والزوجة الثائرة قد تضطر إلى القبول بزوج جديد تحت ضغوط جديدة تنتظرها مستقبلاً بعد أن تفيق من صدمة الحرية، وغالباً يوفقون أنفسهم مع الأوضاع الجديدة، لكن تظل فكرة التبعية قائمة في مقابل الاستقلال الذي ثاروا لأجله. إذاً لماذا أصلا الثورة؟ الحياة لا تعاش أبداً بالأفكار المطلقة التي يعيش فيها الإنسان على مزاج مزاجه، فيترك ذلك، ويهرب من هذا، هناك قيود يمثلها الاحتياج الإنساني وقد خلقنا الله لنتعارف ونعترف باحتياجنا الانساني للآخر، كما أنه –ورحمة بنا- لم يغلق أمامنا باب الاختيار، ولا غنى أبداً عن الآخر، لا تظن نفسك أنت الوحيد في هذه الحال، أنظر إلى غيرك، أنظر إلى أولادك قبل أنت تثور، فربما فقدوك، وربما تصورت أنت أنك تكافح من أجلهم، فيضيعون من بعدك وبسببك، فلا أنت نفعتهم، ولا عشت من أجلهم، ربما ترى مصلحتك في الثورة على كل ما هو قيد، وسوف تنتشى بنشوة الفوز لعدد من الأيام وتبدأ في تنظيف "ميادين حياتك"، ولكنك حتماً ستجد قوى مضادة لهذه النشوة، أولها قد يكون أولادك حين يطلبون منك كسرة الخبز أو ملعقة الدواء، ناهيك عن الحرب ذاتها التي سيقودها كل من ثُرت عليهم في سبيل تعطيلك وإثنائك وإرجاعك إلى أحضانهم وهى ثورة مضادة لم تكن في حسبانك، فربما تجدني أقول لك بكل وضوح " لقد فهمتكم" أو " لم أكن أنتوي" لكنى لن أسكت أو أتركك تخرج من تحت رحمتي، ذلك إن كان في رجوعك لي مصلحة أو بقاء. لست مع الثورة العشوائية المطلقة ولا الثورة من أجل الثورة، أنا مع الثورة المخططة المحددة بأهداف يمكن إدراكها. من قلبي: ضهر البعير اتقسم بفعل قشاية لف البعير وابتسم وقال كدة كفاية.