أحرص على التواصل باستمرار مع طلابي بقسم الصحافة بجامعة بنى سويف لأسباب عديدة، منها إيمانى الكامل والراسخ أن دور أستاذ الجامعة لا يقتصر على مجرد تقديم العلم لطلابه بل يمتد لما هو أبعد من هذا بكثير.. ولتقديرى لقيمة العلاقات الإنسانية التى كثيراً ما يتوقف على نجاحها نجاح أى علاقة أخرى خاصة لو كانت علاقة فى الأصل عملية وعلمية جافة مثل العلاقة بين الأستاذ وتلاميذه. وأثناء تصفحى للمجموعة التى أنشأها الطلاب لأنفسهم على شبكة الفيس بوك لفت انتباهى مشاركة لطالب بالفرقة الثالثة يدعى محمد ماضي، يدخل فيها لمنطقة محرمة فى مجتمعنا منتقداً بعض الألفاظ التى يعتبرها المجتمع بذيئة ويجرمها على الرغم من معنى الكلمة الخالى فى الأصل من البذاءة. والحقيقة أننى سعدت جداً بتفكيره وعقليته التحليلية الناقدة واتجاهه إلى تكسير الثوابت المحفوظة التقليدية فى حياتنا، ومناقشتها لإعادة النظر فيها، ولكننى اختلفت معه فيما ذهب إليه، فالكلمات التى نقولها لها معنيان أحدهما لغوى والآخر اصطلاحى، المعنى اللغوى هو أصل الكلمة فى اللغة، أما الاصطلاحى فهو ما اتفق عليه الناس واعتادوا على استخدامه وفق الثقافة والعرف الاجتماعى السائدين. فكرة العيب..وعيب الفكرة وهذه الثقافة الاجتماعية وهذا العرف الاجتماعى هما اللذان صنعا لنا فكرة "العيب"، والتى لا يمكن استبعادها من حياتنا على طول الخط فنحن نحيا داخل مجتمع ولا يعقل أن ننفصل عن سياقه فالإنسان كائن اجتماعى . وأنا أقبل بفكرة العيب فيما يتعلق بالألفاظ التى نستخدمها فى حياتنا وأهاجمها وأثور عليها فيما يتعلق بالمعتقدات والأفكار، فلا أثور على لفظ أصله خالى من البذاءة ويتعامل معه المجتمع على أساس أنه لفظ خادش للحياء، وأثور على فكرة تقليدية متخلفة تتعلق بنمط حياتنا الاجتماعية. والأولى أن نتمرد عليه هو أفكارنا وليس ألفاظنا، الأولى أن نتمرد على معتقدات اجتماعية تقول مثلاً أن المرأة المطلقة خطر على أى رجل زميل أو قريب أو حتى جار، فقد يسهل عليها الانحراف الإخلاقى ومن ثم يجب نبذها وعدم التعامل معها وفصلها اجتماعياً عمن حولها، فهي حتماً امرأة لعوب وهى سبب انفصالها عن زوجها في حين لا يتعامل المجتمع مع الرجل المطلق بنفس المنطق. الأولى أن نثور ونتمرد على معتقد يقول أن الشاب الأعزب الذي يعيش بمفرده حتماً يستخدم شقته فى لقاءاته الغرامية ! وأن يحذر جيرانه بعضهم البعض من الاختلاط به ليس لشيء سوى أنه يعيش بمفرده! الأولى ان نتمرد عليه الاعتقاد بأنه لا يمكن ولا يقبل بل ومستحيل ان تعيش فتاة أو امرأة بمفردها حتى لو اضطرت لهذا لظروف اجتماعية وشخصية خوفاً مما نسميه "كلام الناس"، وأن سمعتها ستكون مهددة للخطر في هذه الحال. الأولى أن نثور ونتمرد عليه النظر للبنت التى تأخر زواجها باعتبارها هى المسئولة عن هذا، فهى متكبرة تغالى فى طلباتها من شريك حياتها أو هى سيئة الطباع فلا أحد يحب الاقتران بهاً! أما الشاب فلا يوجد أصلاً فكرة "شاب تأخر زواجه" لدى المجتمع مع أن هذا أمر بديهي! كل هذه الأمثلة البسيطة التى سقتها ويوجد مثلها جبل من المعتقدات الجامدة البالية ،لا يوجد أصل لاعتناقها ولا سبب واضح ولا مفهوم للايمان بها أو التمسك بها واعتبارها "عيب"...أما اعتبار بعض الألفاظ "عيب" فهذا لسبب ثقافى واجتماعى قد يكون مقبولاً. ولذلك أدعوك يا محمد ويا كل رافضي التخلف الاجتماعى الذي نعيشه أن تكسروا كل المعتقدات والأفكار الجامدة فنحن بحاجة لثورة اجتماعية لنتحرر من قيود الجهل والجمود.