"نجيب محفوظ في ليالي سان ستيفانو" الكتاب الوحيد الذي رصد حياة الأديب الراحل في الإسكندرية للروائي محمد الجمل. على الرغم من كره نجيب محفوظ للسفر وعشقه للقاهرة وحواريها وخاصة منطقة الحسين والجمالية، والتي استلهم من حواريها وأزقتها أهم أعماله الأدبية ، لكن تبقي مدينة الأسكندرية هى الاستثناء الوحيد فالاسكندرية حاضرة بقوة في حياة نجيب محفوظ وهي المكان الوحيد الذي كان يعشق السفر اليه. يصف نجيب محفوظ الإسكندرية على لسان عامر أحد أبطال رواية "ميرامار" قائلاً: "الأسكندرية قطر الندى، نفثة السحابة البيضاء، مهبط الشعاع المغسول بماء السماء، وقلب الذكريات المبللة بالشهد والدموع". يقول نجيب محفوظ عن ذكرياته القديمة مع الإسكندرية: "علاقتي بالإسكندرية تعود إلى عام 1920، حيث اصطحبني والدي لقضاء إجازة الصيف في ضيافة صديق حميم له اسمه «محمد بك عمرو»، وهو من عائلة عمرو المعروفة. وكان محمد بك عمرو من الأعيان، وله سرايا كبيرة في سان استيفانو، وفي حديقة السرايا يوجد بيت صيفي صغير أقمنا فيه طوال فترة الإجازة، في حين سافر محمد بك، إلى أوروبا، حيث اعتاد قضاء الصيف مع أسرته. وكانت تلك هي المرة الأولى التي أشاهد فيها الإسكندرية.. وكان مكان إقامتنا قريباً من كازينو وحمام سان ستيفانو، ورسم دخول الكازينو والحمام قرشان صاغ. وبالحمام قسمان، الأول: للرجال، والثاني: للسيدات. ونظراً لصغر سني كانوا يسمحون لي بدخول حمام السيدات. وكانت نساء الطبقة الراقية يرتدين "المايوه" ويضعن قبعات على رؤوسهن. لم يكن في الإسكندرية الكورنيش الموجود حالياً، وكانت الحمامات في منطقتين فقط: "سان استيفانو"، و"الأنفوشي". بعد الزيارة الأولى انقطعت عن الإسكندرية لسنوات حتى عدت إليها في الثلاثينيات تقريباً، بعد حصولي على شهادة "البكالوريا". وكان لي صديق تعيش أسرته في قرية قريبة من الإسكندرية، فعرضت عليه أن نذهب لقضاء الصيف هناك وأبلغت والدي الذي أسعده تفوقي في الشهادة، فرحب، ومنحني عشرة جنيهات، رغم معارضة أمي وثورة عمي الذي قال لوالدي: أنت سوف تفسد الولد.. تعطيه عشرة جنيهات مرة واحدة. كانت الجنيهات العشرة في ذلك الوقت مبلغاً محترماً، حيث كان مرتب الموظف الحاصل على البكالوريا لا يزيد على ستة جنيهات.. بعد ذلك اعتدت أن أمضي شهراً من كل عام في الإسكندرية، وكنا ننزل في "بنسيون" في شارع السلطان حسين، ومن هناك نستقل الترام حتى نصل إلى الكورنيش واستمرت هذه العادة السنوية حتى اندلعت الحرب العالمية الثانية. فأصبحت الإسكندرية منطقة خطيرة، وهاجر منها بعض أهلها بعد أن تعرضت للقصف الألماني، وانقطعت عن عادتي السنوية حتى انتهت الحرب عام 1945، وعدت من جديد. وحتى عندما أصابني مرض الحساسية ونصحني الأطباء بعدم النزول إلى البحر والابتعاد عن جو الإسكندرية المشبع بالرطوبة، والذهاب إلى منطقة صحراوية حيث الهواء الجاف. ويتابع: لم أعمل بالنصيحة، وكنت أذهب إلى الاسكندرية ، وتتورم عيناي ولا أتنازل عن شهر الصيف، بل ازددت تعلقاً بها بعد أن تزوجت من الإسكندرية. " الاسكندرية في أدب نجيب محفوظ: على الرغم من المكانة الكبيرة التى أحتلهتا الاسكندرية فى حياة نجيب محفوظ الا انها لم تحظ بهذه المكانة في أدبه، فالرواية الوحيدة التي تدور أحداثها فى الاسكندرية هى رواية "ميرامار" وهناك بعض الرواية التى أستلهم نجيب أحداثها من الاسكندرية كرواية "اللص والكلاب" لكن عند كتابة نجيب للرواية أستحضر القاهرة لتكون المكان الذي تدور فيه أحداث الرواية، رواية "السمان والخريف" ورواية "الطريق" أستخدمت الاسكندرية كمكان له دلالاته الخاصة. من أهم الكتب التي رصدت حياة نجيب محفوظ، وعلاقته بالاسكندرية كتاب "نجيب محفوظ في ليالي سان ستيفانو"، للروائي السكندري محمد الجمل الذي كان يحضر معظم لقاءات نجيب محفوظ في الإسكندرية منذ ندوة توفيق الحكيم التي كانت تعقد في كازينو الشانزليزيه ومقهي بترو وحتى انتقالها إلى كازينو "سان ستيفانو" في صيف 1987.