شهدت محاكمة المتهمين في قضية التعدي على المتظاهرين السلميين بميدان التحرير يومي 2 و 3 فبراير من العام الماضي، والتي عرفت إعلاميا ب (موقعة الجمل) تطورا مثيرا ومشادات ومشاحنات بين المحكمة المحامين المدعين بالحقوق المدنية من جهة، وبين المحامين من هيئة الدفاع عن المتهمين من جهة أخرى على خلفية شهادة الناشط السياسي الدكتور ممدوح حمزة أمام المحكمة. كانت المحكمة قد استمعت إلى شهادة الدكتور حمزة على مدى ما يقارب من الساعتين، ثم سمحت للنيابة العامة والمحامين المدعين بالحقوق المدنية والمحامين من هيئة الدفاع عن المتهمين بسؤالى الشاهد ومناقشته فيما أورده من أقوال قررها في شهادته بجلسة الأمس، قبل أن تعلن انها اكتفت بما أورده الشاهد من معلومات. واعترض المحامي عصام البطاوي عضو هيئة الدفاع عن المتهمين على رغبة المحكمة في غلق باب الأسئلة أمام دفاع المتهمين، مبديا رغبته في سؤال ممدوح حمزة عدة أسئلة لاستيضاح بعض المعلومات التي أوردها في شهادته، غير أن المحكمة رفضت منحه الإذن للحديث أو مناقشة الشاهد. ورد المحامي البطاوي قائلا: "هذا إخلال بحق الدفاع.. كيف للمحكمة أن تمنع دفاع المتهمين من سؤال الشاهد؟.. هذا إخلال بحق دفاع المتهمين".. فعقب رئيس المحكمة المستشار مصطفى حسن عبد الله في صيغة تهكمية: "لك أن تعتبره إخلالا بحق الدفاع".. فأصر محامو الدفاع على إثبات العباراة بمحضر الجلسة وسط اعتراض شديد من جانب المحامين المدعين بالحقوق المدنية، ونشبت مشادة كلامية بين المحامين من الطرفين، فأمر رئيس المحكمة برفع الجلسة، لتعود هيئة المحكمة إلى غرفة المداولة وسط حالة من الاستنفار في قاعة المحكمة، تدخلت معها قوات الأمن لتهدئة الحضور، بينما بدت علامات السعادة والارتياح على وجوه دفاع المتهمين، بعدما اعتبروا أن هذا القول الذي ورد على لسان رئيس المحكمة يصب في صالحهم بصورة كبيرة. وعقب أقل من 10 دقائق عادت المحكمة لتعتلي المنصة، وتعلن انها قررت استكمال سماع أقوال الشاهد الدكتور ممدوح حمزة، وتمكين دفاع بقية المتهمين من مناقشته في شهادته، فيما قال ممثل النيابة انه في أعقاب رفع الجلسة صدرت عبارات من بعض دفاع المتهمين وجهت للشاهد ينبني عليها اضطراب أفكاره وترهيبه عملا بنص المادة 273 من قانون الإجراءات. كانت المحكمة قد استهلت الجلسة بالنداء على الشهود الثلاثة الذين سبق لها أن حددت جلسة الأمس للاستماع إلى أقوالهم وهم كل من الدكتور أحمد شفيق رئيس الوزراء الأسبق، واللواء حسن الرويني عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة قائد المنطقة المركزية العسكرية، والناشط السياسي والاستشاري الهندسي ممدوح حمزة.. حيث تبين للمحكمة اعتذار شفيق والرويني عن عدم الحضور، وقيامهما بالالتماس من المحكمة تحديد موعد آخر لحضورهما للإدلاء بشهادتيهما.. وناقشت المحكمة الشاهد الثالث الدكتور ممدوح حمزة والذي قرر في أٌقواله انه كان متواجدا بميدان التحرير يومي 2 و 3 فبراير من العام الماضي لمعظم الأوقات.. مشيرا إلى انه خرج من الميدان بعد أن أبلغ من جانب مكتبه الخاص بأن مكتب وزير الداخلية قد اتصل ليحصل على رقم الهاتف المحمول الشخصي، وذلك حتى يستنى له استقبال المكالمة بصوت واضح ومسموع نظرا لأن الصوت كان صاخبا في الميدان على نحو كبير.. وأوضح حمزة أن قام بالخروج من ميدان التحرير وسار على قدميه حتى ميدان باب اللوق، وتلقى بالفعل المكالمة الهاتفية من أحد القيادات الأمنية الذي قال له إن الوزير يريد مقابلته في مكتبه بمنطقة مدينة نصر، وعاد بعدها بساعة تقريبا.. لافتا إلى أنه رد على المتصل بأنه لا يستطيع ترك الميدان، وأن وزير الداخلية يستطيع أن يحضر بنفسه إلى الميدان أو على مقربة منه إذا أراد. وأشار إلى انه طوال أيام الثورة كان لا يبارح ميدان التحرير سوى لإحضار الطعام أو المستلزمات الطبية للمستشفيات الميدانية الثلاث الموجودة بالميدان والعودة لاحقا. وقال إنه في يوم 2 فبراير عند الساعة الواحدة والنصف ظهرا تناهى إلى سمعه نداءات كثيرة تفيد بوقوع هجوم واعتداءات على المتظاهرين بالتحرير من جهة ميدان عبد المنعم رياض والمتحف المصري، لافتا إلى أنه في ذلك التوقيت كان متواجدا عند المنصة الرئيسية عند مدخل ميدان التحرير من جهة كوبري قصر النيل ولم يكن يستطيع رؤية تفاصيل ما يحدث بالكامل نظرا لضخامة مساحة ميدان التحرير.. وأضاف انه هرع مع المتظاهرين للوقوف على حقيقة ما يحدث، غير أن الزحام الشديد كان حائلا دون الوصول إلى مدخل الميدان من اتجاه عبد المنعم رياض، فلم يشاهد ما حدث تفصيلا، غير انه سمع الهتافات والتهليل بالنصر يتردد بقوة بعد ساعة ونصف منذ ذلك الوقت.. منوها إلى أن تفاصيل كيفية دخول مجموعات المعتدين على المتظاهرين لا زالت محل تساؤل. وقال ممدوح حمزة إن التعديات التي جرت يومي 2 و 3 فبراير جرت وفقا لثلاث مراحل، المرحلة الأولى (الجمل أ) تتمثل في استخدام المعتدين للسلاح الأبيض والجمال والخيول وكانوا يحملون لافتات مؤيدة للرئيس السابق حسني مبارك ويرددون الهتافات المؤيدة له.. الثانية (الجمل ب) تتمثل في استخدام المعتدين للحجارة وكسر الرخام مع الجمال والخيول ضد المتظاهرين في ميدان التحرير.. الثالثة (الجمل ج) باستخدام المعتدين للأعيرة النارية وقنابل المولوتوف ضد المتظاهرين. وأشار إلى أنه في أعقاب المرحلة الثانية من الهجوم على المتظاهرين بميدان التحرير والتي، قام المتظاهرون باستخدام صفائح الأشغال الحديدية والسدادات الحديدية كمصدات ومتاريس لمنع تكرار الاعتداءات التي استخدمت فيها الدواب، قبل أن يتفاقم الأمر وتبدأ أعمال الاعتداءات من من 3 اتجاهات مؤدية لميدان التحرير هي اتجاه عبد المنعم رياض، واتجاه كوبري قصر النيل، واتجاه مسجد عمر مكرم ومجمع التحرير، حيث استخدم فيها "كسر السيراميك والرخام" بصورة كثيفة ضد المتظاهرين بميدان التحرير على نحو حدا بالمتظاهرين إلى الذود عن أنفسهم والدفاع عن حياتهم بالرد على المعتدين عبر كسر البلاط والأرصفة والحجارة واستخدامها في الرد على المعتدين.. وذكر أن الاصابات كانت قاسية جدا لدى المتظاهرين، حيث تركزت في مناطق الرؤوس والعيون، فما كان من المتظاهرين إلا استخدام كل ما يصلح للاحتماء به بينما كان الأطباء في المستشفيات الميدانية يقومون بعلاج المتظاهرين المصابين. وأشار إلى أنه في المساء تطورت الاعتداءات تطورت إلى المرحلة الثالثة (جمل ج) حيث بدأ المعتدون في استخدام المولوتوف والأسلحة النارية من أعلى كوبري السادس أكتوبر من اتجاه عبد المنعم رياض ضد المتظاهرين بميدان التحري. وقال، أصيب ضابط يدعى طاهر محمد أحمد الصعيدي بعيار ناري في الساعة 3 صباحا من يوم 3 فبراير في كتفه الأيسر وقد رأيته رؤي العين وهو يصاب بالعيار الناري في عبد المنعم رياض، وانه لم يتمكن من ضبط أي شخص من المعتدين نظرا لاحتدام الموقف، لافتا إلى أنه سمع بأنه تم ضبط عدد من المعتدين وتسليمهم للشرطة العسكرية وقوات الجيش، وانه تأكد من صحة ذلك الحديث من أكثر من مصدر، وانه لا علم له ما إذا كان قد تم ضبط أية أسلحة نارية مع الأشخاص الذين جرى ضبطهم من قبل المتظاهرين. وأضاف أنه شاهد طائرات مروحية تحلق فوق ميدان التحرير يومي 2 و 3 فبراير في إطار طلعات جوية متعددة كانت قد بدأت منذ يوم 28 يناير (جمعة الغضب) وانه قد ترددت شائعات في الميدان أن الطائرات تلقي بغازات على الشباب، غير انه لا يستطيع الجزم بصحة ذلك من عدمه. وردا على سؤال للمحكمة، أكد ممدوح حمزة انه لم ير أو يشاهد اللواء حسن الرويني قائد المنطقة المركزية العسكرية يزور ميدان التحرير يومي 2 و 3 فبراير.. مشيرا إلى انه في يوم 3 فبراير قام بعض الشباب باستدعائه وقالوا بوجود مشكلة بين المتظاهرين وبعض قيادات القوات المسلحة التي كانت تضطلع بتأمين الميدان، وانه لدى توجهه مع هؤلاء الشباب، وجد عددا من المتظاهرين ينامون أسفل دبابات القوات المسلحة المتواجدة عند المتحف المصري لمنعها من التقدم إلى داخل الميدان. وأضاف أن أحد القيادات العسكرية بالميدان طلب منه أن يطلب بدوره من المتظاهرين الابتعاد عن المدرعات والدبابات حتى تتمكن وحدات القوات المسلحة من إعادة الانتشار، مشيرا إلى انه قيل له نصا (يبقى منظرها إيه لما تطلع صورة يظهر فيها الشباب ينامون أسفل الدبابات والمصورين الأجانب ينتشرون في الميدان)، وأن كافة الدبابات والمدرعات التي كان المتظاهرون ينامون أسفلها كانت متوقفة تماما ولم تكن في حالة تشغيل.. مشيرا إلى انه التقى عدد من الشخصيات الحزبية والسياسية في الميدان، وانه معظمهم لم يكن له بهم علاقة من قبل نظرا لأنه (حمزة) لا ينتمي لأي حزب أو حركة سياسية. وذكر أن اللقاء الأول الذي جمعه باللواء حسن الرويني كان في شهر يونيو من العام الماضي، وانه سرد له خلال المقابلة بأنه كان في ميدان التحرير في شهر فبراير من العام الماضي، وكان يقف إلى جواره الداعية صفوت حجازي، وأن الرويني قال إنه سيعطي أوامره بإطلاق النار على أحد الأشخاص الملتحين الذين يقفون أعلى أحد العمارات، فما كان من صفوت حجازي إلا أن قال إنه سيتولي إنزال هذا الشخص بنفسه.. وأضاف أن اللقاء الذي جمعه بالرويني استمرا فيه في الحديث لمدة 6 ساعات جرى خلالهاالتحدث في مسائل وموضوعات شتى، قائلا: "بالرغم من أن الحديث كان وديا إلا انني استشعرت أنه بمثابة تحقيق معي لمعرفة تفاصيل عني، والرويني اتهمني عدة اتهامات إذ قال لي انت تأخذ الملايين من الأتعاب الاستشارية الهندسية كي تضعها في ميدان التحرير". وقال ممدوح حمزة انه لا يستطيع أن يقوم بتحديد هوية من ارتكبوا أعمال الاعتداءات ضد المتظاهرين بميدان التحرير على الرغم من وجوده داخل ميدان التحرير، مشيرا إلى أن تحليله الشخصي يقوم على أن من استخدم النار والمولوتوف لن يبعث برخام أو الأحجار، ومن سيقتل بالرصاص والخرطوش لن يرسل جمالا وخيولا وأن هناك احتمالا بأن فض التظاهرات كان يتم على مراحل متتالية بعد الفشل في كل مرحلة، على نحو اضطر المعتدين الى استخدام الرصاص والمولوتوف. ونفى ممدوح حمزة رؤيته لأية عناصر أجنبية أو فلسطينية تقوم بالاشتراك في الاعتداء على المتظاهرين مشيرا إلى أن معظم الإصابات لدى المتظاهرين كانت بكسر الرخام والحجارة، كما انه لم ير أيا من المتهمين في القضية في ميدان التحرير في ذلك الوقت.. وأكد ممدوح حمزة انه لم يتمكن من معرفة هوية المعتدين الذين استخدموا المولوتوف والأسلحة النارية ضد المتظاهرين.. مشيرا إلى أن المتظاهرين عملوا فيما بعد على تأمين مداخل ميدان التحرير السبعة بأفراد اللجان الشعبية وشباب جماعة الإخوان المسلمين.. وأشار إلى أنه علم بوجود وقائع تعذيب لعدد من المتظاهرين بميدان التحرير من خلال عدد من الأشخاص والمتظاهرين، موضحا انه تردد وقوع بعض حالات خطف للمتظاهرين وتعذيبهم والتعدى عليهم بالضرب، وانه بعد نجاح الثورة حضر إليه أحد الشباب ومعه فيلم فيديو يحمل وقائع تعذيب لبعض الأشخاص.