نشر مركز كارنيجي للسلام الدولي دراسة أجراها ناثان ج. براون، باحث أمريكي متخصص في الشئون السياسية والقانونية للشرق الأوسط، مشيرة إلى المسار المصري المربك –على حد ذكره- في ظل وجود الاسلام والسياسة تحت لواء السلطة، وتتحدث الدراسة عن القوى الاسلامية في مصر وتنصح بإعادة تشكيلها، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب السلفية، بشكلٍ جذري وغير متوقع، نتيجةً لمشاركتها المتزايدة في السياسة. فتتناول الدراسة عدة نقاط أهمها، أن براون يرى بأن الدين سيلعب دوراً هاماً في مستقبل مصر السياسي، يبقى من غير الواضح ماستكون عليه طبيعة هذا الدور، وكيف سيشكّله، وكيف سيتم تمييزه، وما إذا كان تطبيق الدين نفسه بشكل كبير في هذه العملية المثيرة للجدل. فيرى براون أن التديّن ينتشر في أجزاء كثيرة من المجتمع المصري، ولكن أصحاب الميول الدينية بدأوا باكتشاف خلافاتهم السياسية. بل أن البعض يُنظَر إليهم على أنهم علمانيين على الطريقة الأمريكية، رغم أن أنصارها يكرهون الاعتراف بها على هذا النحو. فهم يسعون إلى بناء مصر يكون فيها الفضاء العام مواتياً للدين، لكن الإيمان يبقي على مسافة تفصله عن السلطة السياسية، وملوثات وعيوب السياسة اليومية. وأشارت الدراسة أيضاً إلى أن عندما يدخل الدين ميدان السياسة فإنه نادراً مايبقى من دون تأثيرات تدخل عليه. يوماً ما قد يخلص الذين يريدون استغلال سلطة الدولة لبناء مجتمع أكثر تديّنا إلى أنه كان عليهم أن يكونوا أكثر حذراً مما كانوا يتمنّون. وفي حديث ناثان براون عن القوى الاسلامية في مصر، فقال عن جماعة الأخوان المسلمين "أنهم أظهروا براعة في تحقيق انتصارات انتخابية، لكنها لازالت في حاجة إلى تكوين رؤية استراتيجية واضحة تمكّنها من التحوّل من حركة اجتماعية معارضة مكرّسة لإصلاح المجتمع كلّه إلى حزب سياسي تنافسي". أما عن السلفيين "بالرغم من انهم أن خبرتهم السياسية تقل كثيراً عن خبرة الإخوان، إلا انهم حققوا أيضاً نجاح انتخابي، ولكن يجب عليهم تحديد كيفية الجمع بين تفانيهم الذي لايتزعزع تجاه الحقيقة الدينية وبين التنازلات الضرورية في اللعبة السياسية الديمقراطية. ويجب عليهم كذلك معرفة كيفية تشكيل تنظيمات سياسية منضبطة من رحم قيادة من الدعاة والعلماء كانت مشتّتة في السابق". وفي حديثه عن الأزهر أكد براون على أن الأزهر هو جوهرة تاج المؤسسات الإسلامية في مصر، وهو مجمع مترامي الأطراف من الكليات الجامعية والمدارس الابتدائية والثانوية، وهيئات البحث ويرأسه الآن أحمد الطيب، الذي أثمرت فطنته السياسية، جنباً إلى جنب مع ليبراليته النسبية ضمن التراث الأزهري، بشكل رائع خلال فترة بعد الثورة. فيشعر السواد الأعظم من علماء الأزهر بأن دورهم الصحيح هو أن يكونوا بمثابة صوت مستقل للإسلام والمصلحة العامة. ويقول البعض علناً أنه لو أن الأزهر أدّى دوره الصحيح على مدى القرن الماضي فما كان لصعود جماعة الإخوان أن يحدث. ويضيف براون أن قد تجد مؤسّسات مثل الأزهر نفسها عرضة إلى خطر أن تصبح "كرات قدم سياسية"، ويجد أن كل خطوة يخطوها نحو المركزية تزيد من مخاطر إرغامه على الابتعاد خطوة عن الاستقلالية. وشدد براون على أن إذ تخوض القوى الإسلامية بيئة جديدة فتكون غير قادرة على السيطرة عليها وغير مدركة لبعض الوسائل التي تغيّرها من خلالها، لأن الحقيقة المتمثّلة في أن القوى الاسلامية لم تؤسس في الأصل لخوض غمار السياسة ولا لتولّي الحكم، فذلك يجعلها غير قادرة على خوض المعركة.